العربية

ثورات 1848 والأسس التاريخية للاستراتيجية الماركسية

سوف نخصص هذا الأسبوع لدراسة نظرية الثورة الدائمة. ليس من الصعب تبرير تركيزنا على هذا الموضوع. لقد أضفت أحداث نصف العام الماضي، وقبل كل شيء الثورة في مصر ،أهمية كبيرة على هذه النظرية. لا يمكن فهم الديناميكية الاجتماعية للأحداث في مصر إلا على أساس هذه النظرية. وكالعادة ، فإن مختلف المنظمات 'اليسارية' البرجوازية والبرجوازية الصغيرة تستجيب لهذه الأحداث من خلال إلقاء الخطاب الديمقراطي الفارغ.

قام حزب الفرنسي [الحزب المناهض للرأسمالية الجديد] في كانون الثاني (يناير) الماضي بوضع خاتمه على بيان مشترك ، وقعه أيضاً حزب الخضر واليسار الأحادي والحزب الشيوعي الفرنسي وحزب اليسار والحزب الاشتراكي. وجاء في البيان: 'نطالب الحكومة الفرنسية والاتحاد الأوروبي بوقف دعمهما الصريح أو الضمني للنظام التونسي ودعم انتقال ديمقراطي حقيقي'. في الوقت نفسه ، تم التعبير عن المصالح الاجتماعية التي حفزت دعوة البابلويين [2] إلى 'انتقال ديمقراطي حقيقي' (بمساعدة ساركوزي والاتحاد الأوروبي) في بيان للرابطة التونسية من أجل حقوق الإنسان ، التي أعلنت ، في خضم المظاهرات الجماهيرية: 'السؤال بالنسبة المطروح علينا الآن هو: كيف يمكننا وقف هذا التفجر في أعمال النهب ، الذي أصبح لا يطاق؟' هؤلاء الأطفال لا يهاجمون ممتلكات أسرة الطرابلسي فقط ، ولكن مراكز الشرطة والممتلكات العامة '.

أعلن بيان للحزب المناهض للإمبريالية الجديد تحت عنوان 'تونس: 'الثورة الاجتماعية والديمقراطية جارية ':

فقط من خلال تشكيل حكومة مؤقتة ، دون أي ممثل للنظام الدستوري ،تكون مسؤولة عن التحضير لانتخابات حرة وديمقراطية بموجب قانون انتخابي جديد للجمعية التأسيسية ، يمكن للتونسيين استعادة السيطرة على مصيرهم وفرض نظام عادل ومنصف في بلادهم.  إذا الشعب أراد يوماً الحياة فلابد أن يستجيب  القدر! [3]

في خضم التظاهرات الجماهيرية في القاهرة في يناير / كانون الثاني ، أجرت منظمة العمال الأممية مقابلة مع مصطفى عمر ، أحد قادة المعارضة ، الذي أشاد بالبرادعي بسبب 'الحركة الجديدة من أجل الديمقراطية' ، والجمعية الوطنية للتغيير .

وفي 1 فبراير ، سعى الاشتراكيون الثوريون إلى تشجيع الأوهام حول الجيش ، معلنين أن: 'جيش الشعب هو الجيش الذي يحمي الثورة'. وتابعوا 'الكل يسأل: الجيش مع الشعب أم ضده؟' الجيش ليس كتلة واحدة. ومصالح الجنود وصغار الضباط هي نفسها مصالح الجماهير .' [4]

من بين السمات المميزة لأحزاب البرجوازية الصغيرة التجاهل المزدري للتاريخ. إنهم يدركون أن مراجعة التجارب التاريخية العظيمة من شأنها أن تعطل سياساتهم الانتهازية والرجعية. لكن بدون معرفة دقيقة بتاريخ النضالات الثورية ، لا يمكن فهم الوضع العالمي الحالي وتطوير استراتيجية للثورة الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين.

تروتسكي: رجل على مستوى تاريخ

يمكن وصف القرن العشرين بشكل مبرر بأنه عصر الثورة الدائمة. هذا مناسب على حد سواء كتعريف اجتماعي لمنطق الاضطرابات الثورية الكبرى في القرن الماضي وكمسألة نظرية واستراتيجية مركزية تكمن وراء كل النضالات السياسية حول الإستراتيجية الثورية في الحركة العمالية العالمية. ففي مقال استذكر فيه لقاءاته مع تروتسكي خلال جلسات الاستماع في لجنة ديوي في أبريل 1937 في كويواكان ، في ضواحي مكسيكو سيتي ، وصف الروائي الأمريكي جيمس تي فاريل الثوري العظيم بأنه 'رجل التاريخ إذ إن معظمنا ليس كذلك ولا نستطيع أن نكون كذلك'.  إن هذا الوصف  أو بالأحرى  ، إن تعريف تروتسكي  بهذه الطريقة عبر عن نظرة عميقة.

بأي معنى كان تروتسكي 'رجل التاريخ'؟ من المؤكد أنه  كان شخصية رئيسية في العديد من أعظم أحداث القرن العشرين. كان تروتسكي هو المخطط الاستراتيجي والمنظم الرئيسي لثورة أكتوبر 1917 التي أوصلت الحزب البلشفي إلى السلطة وأدت إلى إنشاء الاتحاد السوفيتي ، أول دولة عمالية في التاريخ. وأصبح في عام 1918 قائدا للجيش الأحمر ، مما أدى إلى الانتصار على قوات الثورة المضادة في خضم حرب أهلية استمرت ثلاث سنوات. وفي عام 1923 ، بدأ تروتسكي النضال السياسي داخل الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي الذي أدى أولاً إلى تشكيل المعارضة اليسارية ، ثم لاحقاً الأممية الرابعة. كان تروتسكي أحد الشخصيات البارزة في القرن الماضي. أود أن أزعم أنه كان أعظم شخصية سياسية في القرن العشرين ، وأن تأثيره على التاريخ سيثبت أنه الأكثر بقاءً. سوف تستند الحركة الاشتراكية الجماهيرية الجديدة للطبقة العاملة التي ستتطور في هذا القرن ، إلى حد كبير ، على المفاهيم النظرية والسياسية لليون تروتسكي.

حين عرّف فاريل تروتسكي بأنه 'رجل التاريخ' ، لم يكن يقصد فقط أن تروتسكي كان شخصية تاريخية رئيسية بل لفت الانتباه إلى انخراط تروتسكي الواعي مع التاريخ بوصفه عملية موضوعية ومحكومة بالقانون وإلى المكانة التي احتلها التاريخ في فكر تروتسكي وأفعاله ، وحتى في تكوين شخصيته. لقد صنع تروتسكي التاريخ. لكنه ، بفعله ذلك ، عاش بدرجة عالية من الوعي الذاتي بمكان وأهمية نشاطه ، ونشاط رفاقه والحركة العمالية الثورية التي كرس نفسه لها تماماً، في عملية تاريخية واسعة من التحول الاجتماعي. كان مثل عالم الفلك الذي ينظر إلى سماء المساء ، مدركاً أن كوكبه الخاص يحتل مكاناً داخل المجرة التي يرصدها ، حيث كان تروتسكي على دراية مكثفة بالتسلسل التاريخي الأوسع ، الذي يمتد لعقود ، بل وحتى قرون ، والذي تكشفت من خلاله للحركة الاشتراكية الثورية.

عاش التاريخ في تروتسكي فانطلاقاً من كتاباته ، أعتقد أنه شعر تقريبا كما لو كان في باريس في عام 1793 وعام 1848 وعام 1871.  لم تكن  قراءته للتاريخ سلبية.  تناقش  في ذهنه مع دانتون وروبسبير كما لو كانا معاصرين له. ومن الصحيح ، كما لاحظ لوناشارسكي ، أن تروتسكي لاحظ أفعاله في مرآة التاريخ. لكن لم يكن هناك أثر للذاتية أو التعظيم الذاتي في وعيه الذاتي الموجه تاريخياً بل شارك بحماس في نضالات عصره ، وربط باستمرار التطورات المعاصرة بالتجارب التاريخية.  كما سعى تروتسكي لفهم تأثير وانعكاسات البرنامج والسياسات التي حارب من أجلها على التطور المستقبلي للنضال الثوري. وكما صرح وقت تأسيس الأممية الرابعة ، فإن الثوري 'يحمل على كتفيه جزءاً من مصير البشرية'. كان هذا التفاعل الديناميكي المستمر في فكره بين الحاضر والماضي والمستقبل هو الذي جعل تروتسكي 'رجل التاريخ'.

كان تروتسكي جزءاً من جيل الثوريين الذين كانت إعادة صياغة التجربة التاريخية التي لا نهاية لها عنصراً حاسماً في العمل النظري والسياسي. ومع آخر ما نشر عن الثورة الدائمة ، وهي المجموعة القيمة من الوثائق التي تم تجميعها وترجمتها من قبل المؤرخين ريتشارد داي ودانييل جايدو ، أصبحنا قادرين بشكل كامل على فهم تطور الفكر الماركسي الثوري الذي أدى إلى تحليل تروتسكي للقوى الدافعة لحركة الثورة الروسية واستنتاجه ، قبل أكثر من عقد من انتصار البلاشفة ، بأن الإطاحة بالحكم المطلق الروسي سيؤدي ، بشكل أو بآخر ، إلى استيلاء على السلطة  من قبلالطبقة العاملة في ثورة اشتراكية. يحتوي المجلد على مقالات مهمة ، ليس فقط لتروتسكي ، ولكن أيضاً لبليخانوف وريازانوف ومهرنج ولوكسمبورغ وبارفوس وكاوتسكي. [5]

من بين السمات الأكثر لفتاً للانتباه في هذه المقالات هي الطريقة التي سعوا بها إلى ربط تحليلهم للثورة الروسية المتكشفة ، في السنوات الأولى من العقد الأول من القرن العشرين ، بالأحداث الثورية السابقة مثل الثورة الفرنسية الكبرى في الفترة ما بين 1789-1894 وثورات 1848 وكومونة باريس عام 1871. بالطبع ، بالنسبة للجيل الذي مر بتجربة 1905 ، لم تكن كومونة باريس ولا ثورات 1848 تنتمي إلى كل ذلك الماضي البعيد. فمن حيث الفترة الزمنية ، لم تكن كومونة باريس بعيدة عن عام 1905 أكثر من عام 1977 - عام اغتيال توم هينهان [6]- حتى اليوم. وحتى عام 1848 لم يكن بعيداً بشكل خاص. فقط سبعة وخمسون عاماً فصلت بين الاضطرابات الثورية في ذلك العام ('عام العجائب') عن عام 1905. وستعيدنا قفز مماثلة في الزمن إلى أبعد من السنوات الأولى لإدارة أيزنهاور. في الحركة الاشتراكية الأوروبية في مطلع القرن العشرين ، لم يكن هناك فقط قدامى المحاربين في كومونة باريس ، ولكن أيضاً مشاركين في ثورة 1848. فيلهلم ليبكنخت ، مؤسس بيبل الشقيق الأكبر للحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا أحد المشاركين في نضالات 1848 ، وعاش حتى عام 1900. وأدولف سورج ، الصديق المقرب لماركس وإنجلز الذي شارك في انتفاضة بادن في ألمانيا ، عاش حتى عام 1906.

الثورة الفرنسية

كان قدامى المحاربين في الثورة الفرنسية 1789-1794 قد غادروا المشهد قبل فترة طويلة. لكن تأثير ذلك الحدث ، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأيديولوجي، كان ساحقاً لدرجة أن ظله ظل حائماُ في الأفق فوق أوروبا (ومازال يلوح في الأفق حتى يومنا هذا!). إن العالم السياسي الحديث قد نشأ في الثورة الفرنسية الكبرى. وكل النضالات العظيمة لهذا الحدث العملاق ، التي خاضها المشاركون بمثل هذا الشغف ، مهدت الطريق للنضالات الثورية في المستقبل. لقد ظهر في مرجل تلك الثورة حتى أكثر المصطلحات المقبولة على نطاق واسع للنضالات الاجتماعية الحديثة. إن دعاة التغيير الاجتماعي الراديكالي الذين سموا 'بالجبليين'  جلسوا على يسار الرئيس أما المحافظون والرجعيون فجلسوا على اليمين. ولكن بالإضافة إلى مصطلحي 'اليسار' و 'اليمين' ، فإن عبارة 'الثورة الدائمة' تدين بأصلها إلى الثورة الفرنسية. كما أشار ريتشارد داي ودانيال جايدو في مقدمتهما إلى شهود الثورة الدائمة ، فإن مفهوم ' الثورة المستدامة' مستمد من القسم الشهير ، الذي أقسمه ممثلو الطبقة الثالثة في ملعب فرساي للتنس في يونيو 1789 ، التي تعهد بأن الجمعية الوطنية سوف تكون موجودة ، في أي مكان يجتمع أعضائها ، بغض النظر عن محاولات الملك لحلها. بمعنى آخر ، أعلنت الجمعية الوطنية الممثلة للطبقة الثالثة عن ديمومتها!

والأهم من مساهمتها في مصطلحات السياسة الحديثة، لقد دمرت الثورة الفرنسية الأسس الاجتماعية والاقتصادية للإقطاع، ومهدت الطريق لتأسيس دولة برجوازية وتطوير الرأسمالية التي أدت حتما إلى ظهورالطبقة العاملة والصراع الطبقي في شكله الحديث. ففي الواقع ، في أعقاب الإطاحة بديكتاتورية اليعاقبة في يوليو 1794 ، تم التعبير عن المخاوفالأولى لثورات المستقبل - في 'مؤامرة المتكافئين' بقيادة غراتشوس بابوف ، والتي كانت أول محاولة لتحقيق المساواة الاجتماعية من خلال العمل الثوري الواعي.

ولم تؤد الثورة فقط إلى التحول الاجتماعي والاقتصادي في فرنسا ؛ بل وفرت الدافع لتقدم هائل نحو الفهم العلمي للقوى الدافعة للتطور التاريخي ، التي ظهرت الماركسية منها في النهاية. فبعد الثورة الفرنسية ، أصبحت أهمية المصالح المادية والملكيةوالصراع الطبقي في خلفية الحياة السياسية واضحة بشكل متزايد للمفكرين الأكثر تقدماً.

أدى تأثير التغييرات الاقتصادية ، بما في ذلك التصنيع ، إلى أشكال جديدة من الصراع الاجتماعي التي حولت هواجس الثورة إلى شيء أكثر جوهرية. ففي وقت مبكر من عام 1806 ، حدث إضراب لعمال البناء في باريس.و في عام 1817 ، أضرب صانعو القبعات في ليون احتجاجاً على تخفيض الأجور. كما كانت هناك إضرابات كبيرة من قبل الحرفيين الباريسيين وعمال المصانع بين 1825 و 1827. وفي عام 1830 أدت الاحتجاجات الشعبية في باريس إلى سقوط الملك تشارلز العاشر. ومع ذلك، كان المستفيدون من هذه 'الثورة' هم الممولون. وتدهورت ظروف الطبقة العاملة النامية ، وخاصة النساجون. وتم رفع الضرائب على عامة الناس وخفض الأجور. وأخيراً تفجر الغضب المتزايد في نوفمبر 1831 على شكل انتفاضة مسلحة قام بها عمال ليون. وعلى مدى عدة أيام ، تم طرد جنود الحكومة من المدينة. وعلى الرغم من أن الحكومة تمكنت ، بعد عدة أيام ، من استعادة السيطرة ، إلا أن البرجوازية أصيبت بصدمة بسبب ظهور الصراع الطبقي الناجم عن مقاومة البروليتاريا المشكلة حديثاً ، التي هددت مصالح الملكية الرأسمالية.

]نظام لويس فيليب

كان النظام الذي حكم في فرنسا نظاماً ملكياً برجوازياً ، برئاسة لويس فيليب ، الذي كان لقبه الرسمي ملك فرنسا  وهذا اعتراف مقنع بأن الثورة الفرنسية وقطع رأس لويس السادس عشر ، ثم عزل أخيه الأصغر تشارلز العاشر لم يكن بلا فائدة بالكامل . كان والد لويس فيليب ، المشؤوم فيليب إيغاليتي، ابن عم لويس السادس عشر الذي انفصل عن العائلة المالكة أثناء الثورة وصوت في الواقع لصالح إعدام الملك. ومع ذلك ، فإن هذا لم ينقذه من الشكوك حول أنه كان ، أو قد يصبح ، أداة للثورة الملكية المضادة ، وتم إعدام فيليب إيجاليتيه في نوفمبر 1793. على أي حال ، صعد ابنه في النهاية إلى سدة النظام الملكي ، ولكن في ظل ظروف سياسية  واجتماعية  اختلفت اختلافاً كبيراً عن تلك التي كانت قائمة قبل عام 1793. 

سعى لويس فيليب للتأكيد على الطابع البرجوازي لنظامه من خلال ارتداء معطف وعرض مظلة . لكن نظامه 'البرجوازي' خدم بأمانة مصالح قسم واحد فقط من البرجوازية ، هو نخبة مالية قوية. وقد ترك هذا أقساماً أخرى من البرجوازية ، خاصة تلك المرتبطة بالصناعة والتصنيع ، غير راضية عن الوضع. لم يعرف فساد النخبة المالية أي حدود ، لدرجة أنه قوض التنمية الصناعية في فرنسا. ولا يوجد وصف للمجتمع الفرنسي في عهد لويس فيليب أعظم من ذلك الذي قدمه كارل ماركس في كتابه 'الصراع الطبقي في فرنسا':

منذ أن وضعت الأرستقراطية المالية القوانين ، وكانت على رأس إدارة الدولة ، سيطرت على جميع السلطات العامة المنظمة ، وهيمنت على الرأي العام من خلال الوضع الفعلي ومن خلال الصحافة ، لذلك فإن الدعارة ، والغش المخزي ، و الهوس بالثراء تكرر في كل مجال ، من البلاط الملكي إلى مقهى بورجن ، وانتشر الثراء ليس عن طريق الإنتاج ، ولكن عن طريق الاستيلاء على الثروة المتاحة بالفعل للآخرين. مع الصدام في كل لحظة مع القوانين البرجوازية نفسها ، وتجلى التأكيد الجامح على الشهوات غير الصحية والفاسدة ، لا سيما في قمة المجتمع البورجوازي ، وهي شهوات سعت لإشباع نفسها من المقامرة ، حيث أصبحت اللذة خداعاً ،و حيث امترج المال والقذارة والدم. إن الأرستقراطية المالية، في أسلوب جنيها للمال كما في ملذاتها ، ليست سوى ولادة جديدة للبرووليتاريا الهشّةولدفعها للثورة على أعالي المجتمع البورجوازي. [7]

لكن بما تجاوز البلاط الملكي والبورصة ، اشتدت معارضة النظام ليس فقط في فرنسا ولكن في جميع أنحاء أوروبا. ومنذ الهزيمة النهائية لنابليون في عام 1815 ، ساد رد الفعل السياسي في جميع أنحاء القارة. كان مهندس نظام رد الفعل هو النبيل النمساوي، الأمير مترنيخ. أخبر أحد النقاد مترنيخ أن وسائله للحفاظ على الوضع الراهن 'تتكون من غابة من الحراب والالتزام الثابت بالأشياء كما هي. وفي رأيي ، من خلال اتباع هذه السطور ، فإننا نلعب في أيدي الثوار.[8] ' لكن ميترنيخ لم يكن يعلم بأي وسيلة أخرى يمكن الدفاع عن نظام اجتماعي فاسد يحتضر.

كانت هناك مؤشرات على اقتراب الثورة. ففي مايو 1839 ، كانت 'جمعية الفصول' ، التي ضمت 900 عضوًا بقيادة أوغست بلانكي وأرماند باربيز حاولت التمرد في باريس.  و تمكنوا من الاستيلاء على دار البلدية وإعلان حكومة مؤقتة. لكن الانتفاضة التي كانوا يأملون في إلهامها لم تتحقق. تم القبض على قادتها وإرسالهم إلى السجن. ولكن كانت الثورة الفكرية في مجال النظرية الاقتصادية والفلسفة أكثر ديمومة في تأثيرها من تلك التجارب المبكرة في العمل المباشر من قبل أعداد صغيرة من المناضلين الملتزمين. وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى كتاب بيير جوزيف برودون عام 1840 ، الذي طرح عنوانه السؤال: ما هي الملكية؟ لقد أعطى إجابة موجزة واستفزازية ولا تنسى: 'الملكية هي سرقة'.

أصول الماركسية

كان العمل الآخر الرائد مقالاً مطولاً بعنوان الخطوط العريضة لنقد الاقتصاد السياسي ، كُتب عام 1843 ، وبدأ بالإشارة إلى أن 'الاقتصاد السياسي جاء إلى الوجود نتيجة طبيعية لتوسع التجارة ، وبظهوره الأول كان غير علمياً ثم  تم استبدال التجارة بالمتاجرة أي بنظام مطور من الاحتيال المرخص ،هو علم الإثراء بأكمله. ' كان مؤلف المقال فريدريك إنجلز البالغ من العمر 23 عاماً. وسرعان ما كتب عملاً أعظماً ، وهو حالة الطبقة العاملة في إنجلترا.

لكن أهم التطورات الفكرية في العقد الرابع من القرن التاسع عشر حدثت في مجال الفلسفة ، حيث بدأ نقد فلسفة هيجل المثالي من قبل كارل ماركس الشاب الذي مثل ثورة في الفكر من شأنها ، في الوقت المناسب ، توفير المادة الفكرية للحركة الثورية الجماهيرية للطبقة العاملة العالمية. وكما أظهرت كتاباته ، كان ماركس مدركاً ، في مرحلة مبكرة جداً من عمله ، الآثار المتفجرة لأعماله النظرية المجردة.و كتب في أوائل عام 1844: 'لا يمكن لسلاح النقد ، بالطبع ، أن يحل محل النقد بالسلاح ، يجب الإطاحة بالقوة المادية بالقوة المادية ، ولكن النظرية تصبح أيضاً قوة مادية ماأن تسيطر على الجماهير'. كما أعلن ماركس، بعد صفحات قليلة ، 'إن تحرر الألمان هو تحرر الإنسان. ورأس هذا التحرر الفلسفة وقلبها هي البروليتاريا.[11]

ومع حلول عام 1845 ، طور ماركس وإنجلز المفهوم المادي للتاريخ ، الذي أكد أن الثورات ليست نتاجاً لمؤامرات جيدة التنظيم قام بها قادة مصمّمون وأتباعهم. بل هي النتيجة الضرورية لعملية اجتماعية اقتصادية معقدة ، يدخل فيها تطور القوى المنتجة في صراع لا يمكن كبته مع العلاقات الاجتماعية القائمة التي تطورت فيها حتى الآن. وهكذا ، لم يكن مصدر الثورة موجوداً في حركة الأفكار ، ولكن في التنظيم الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع ، المشروط بمستوى معين من تطور القوى المنتجة. إن التناقض بين نمو القوى المنتجة والعلاقات الاجتماعية القائمة يجد تعبيراً سياسياً عنه في الصراع الطبقي ، الذي يتخذ في المجتمع الحديث الشكل الرئيسي للصراع بين البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج والبروليتاريا ، أي  الطبقة العاملة التي تمتلك فقط قدرتها على العمل.

وفي عام 1847 ، انضم ماركس وإنجلز إلى عصبة العدل ، التي سرعان ما أصبحت الرابطة الشيوعية. تم تكليفهما من قبل العصبة بكتابة برنامج في أواخر عام 1847 ، في شكل بيان ، الذي ، كما نعلم جميعاً ، جاء ليمارس تأثيراً لا يستهان به على مسار تاريخ العالم.

بحلول الوقت الذي نُشر فيه البيان الشيوعي ، كانت أوروبا على وشك الانفجار السياسي. فبغض النظر عن عمل النظريين الاشتراكيين ، كانت الرأسمالية في خضم أزمة اقتصادية كبرى كان لها تأثير مدمر على قطاعات واسعة من السكان العاملين. شهدت سنتي 1846-1847 معاناة بشرية على نطاق أكبر مما كانت عليه خلال أي فترة سابقة في القرن التاسع عشر. وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بسبب ضعف المحاصيل الذي أدى إلى مجاعة واسعة النطاق. ففي أيرلندا مات أكثر من 21000 شخص جوعاً ، ووقع مئات الآلاف ضحية لأمراض مثل التيفوس والكوليرا. وعاش الناس على جثث الحيوانات النافقة. وفي بلجيكا ، عاش 700000 شخص على الإغاثة العامة ، وكان هناك الآلاف الآخرين الذين اعتمدوا على الأعمال الخيرية. كما أدت الظروف اليائسة في برلين وفيينا إلى اشتباكات بين الشعب والسلطات المسلحة. وفي فرنسا ، ارتفعت أسعار الخبز بشكل كبير وتضاعفت أسعار البطاطس كما ارتفع معدل البطالة بشكل كبير.

نهج الثورة

أدت الاضطرابات الشعبية في فرنسا إلى تكثيف التوترات السياسية بين نظام لويس فيليب وحركة معارضة متنامية تكونت من اتجاهات سياسية برجوازية مختلفة ، بما في ذلك الليبراليون الذين استاءوا من ديكتاتورية المصالح المالية واستبعاد المصالح الصناعية من مواقع السلطة ، والمزيد من التيارات الديمقراطية التي فضلت ، بدرجة أكبر أو أقل من الحماسة ، تشكيل 

جمهورية. كان ألكسندر أوغست ليدرو رولين (1807-1874) من بين الممثلين الأكثر شهرة والأكثر راديكالية لهذه الاتجاهات، و حصل على دعم بين العمال الفرنسيين بسبب ضراوة هجماته الخطابية على النظام قبل عام 1848عبر صحيفة La Réforme التي حظيت بعدد كبير من القراء. كما كان لويس بلان (1811-1882) شخصية أخرى لها عدد كبير من المتابعين ، وكان يُعرف بالاشتراكي  على الرغم من أن مفهومه عن الاشتراكية عكس تأثير المفكرين الطوباويين مثل روبرت أوين وسان سيمون وإتيان كابيه. واعتقد أن التقدم يتدفق بشكل طبيعي من كمال الإنسان وأن الاشتراكية لن  تتحقق من خلال الثورة العنيفة ، التي عارضها ، ولكن من خلال منطق لا تشوبه شائبة وقوة إقناع لخطابه. وقبل اندلاع الثورة ، التقى بلان من وقت لآخر مع إنجلز ، الذي وجد صعوبة في التعامل معه بجدية تامة مع مجموعة أفكاره. فعلى سبيل المثال ، في رسالة إلى ماركس في مارس 1847 ، أدلى إنجلز بالتعليق التالي حول تاريخ بلان للثورة الفرنسية:

مزيج جامح من الحدس الصحيح والجنون غير المحدود. قرأت فقط نصف المجلد الأول بينما كنت في سارسيل وترك لدي انطباعاً غريباً. وبالكاد فاجأ أحدهم ببعض الملاحظة اللطيفة لما سقط رأساً على عقب في نوبة جنون. [12]

فخلال خريف وشتاء ١٨٤٧-١٨٤٨ ، نظمت التيارات البرجوازية المعارضة ما أطلق عليه 'الولائم' وهو شكل مبكر من العشاء الذي تحصل عليه لقاءعشر دولارات، لجذب الدعم الشعبي. وتم تخفيض الأسعار بشكل مطرد لزيادة الحضور.كما نظم الراديكالي ليدرو رولين والاشتراكي لويس بلان مآدب مشتركة لجذب مشاركة أوسع من الطبقة الوسطى والطبقة العاملة. و لم تكن المعارضة البرجوازية الغنية والمحافظة مرتاحة تماماً لحملة المآدب فهم  لم يستمتعوا باحتمال حدوث صدام مفتوح مع نظام لويس فيليب ، وخشيوا بشكل خاص أن الولائم كانت تشجع ، على عكس إحساسهم الأفضل ، النضالات الجماهيرية الخارجة عن سيطرة المصالح الخاصة. لذا حذر أدولف تيير ، الذي دخل التاريخ في نهاية المطاف باعتباره العدو اللدود لكومونة باريس ، من أنه شعر بوجود علم الثورة الأحمر تحت أغطية طاولات الولائم. فحتى عندما دعت البورجوازية إلى شكل أو آخر من أشكال الإصلاح الديمقراطي ، كانت تخشى تدخل الطبقة العاملة في النضال السياسي.

كان هذا الخوف داخل قطاعات من البرجوازية تعبيراً عن التغيرات العميقة في بنية المجتمع الفرنسي (والأوروبي بشكل أوسع) منذ الثورة الكبرى في 1789-1794 ولما اجتمع ممثلو الطبقة الثالثة في فرساي عام 1789 ، ظلت الانقسامات الطبقية داخل المعارضة الشعبية للنظام الإقطاعي غير متطورة.  ولم يكن على البورجوازية في مواجهتها مع لويس السادس عشر ، أن تتعامل مع شبح المعارضة الاشتراكية القائمة على الطبقة العاملة  وهي معارضة لا تهدد الملكية الإقطاعية فحسب ، بل تهدد الملكية الرأسمالية أيضاً. وقد مكن هذا البرجوازية من تبني موقف ثوري أكثر تصميماً تجاه النظام القديم في العقد التاسع من القرن التاسع عشر مقارنة بما حدث بعد نصف قرن. ولم تنبثق الراديكالية المتطرفة للثورة العظمى من البرجوازية ، التي سعت بشكل عام للتوصل إلى تسوية سياسية مع لويس السادس عشر ، بل من جماهير سكان الحضر ، المسمون باللامتسرويلين ، ومن ضمنهم اليعاقبة الذين منحوا القادة دعمهم الرئيسي. لقد كانت انتفاضاتهم المتمردة المتكررة هي التي دفعت بالثورة أكثر فأكثر إلى اليسار.

وبحلول عام 1848 ، كان الصراع السياسي بين المعارضة البرجوازية ونظام لويس فيليب معقداً بسبب ظهور الطبقة العاملة. وسيثبت هذا التغيير في المجتمع الفرنسي والأوروبي أنه ذو أهمية حاسمة في ثورات 1848. فعلى الرغم من أن الليبراليين البرجوازيين وجدوا أنفسهم في معارضة الأنظمة القائمة ، فإن عمق معارضتهم والتزامهم بالديمقراطية كان مقيداً بالخوف من التطلعات الاشتراكية للطبقة العاملة. هذه التناقضات ، بين الادعاءات الديمقراطية للبرجوازية ومصالحها المادية ، وبين برجوازية ملتزمة بالدفاع عن الملكية الرأسمالية وطبقة عاملة بلا ملكية ، حددت نتيجة ثورات عام 1848.

كانت الأزمة السياسية لنظام لويس فيليب في طور التكوين.و أصدر دي توكفيل تحذيراً مستنيراً في يناير 1848 بأن النظام كان يغازل الثورة. ومع ذلك ، لم يكن من الممكن أن يتخيل قلة أن الأمر سيستغرق ثلاثة أيام فقط من عنف التمرد لإحداث انهيار الهيكل الفاسد بأكمله. تجاهل الملك بنفسه تحذير دي توكفيل بمزاح ساخر: 'الباريسيون لن يبدأوا ثورة في الشتاء'. 'إنهم يقصفون الأشياء في الطقس الحار. اقتحموا الباستيل في يوليو ، وعرش بوربون في يونيو. لكن في يناير وفبراير ، فلا. '[13]

فبراير 1848 في باريس

بدأت المشكلة بمحاولة الحكومة منع إقامة مأدبة ضخمة معارضة ، كان من المقرر عقدها في 22 فبراير 1848. تم تخفيض الأسعار لجذب إقبال كبير، ثم تراجعت الحكومة ، ووافقت على أن المأدبة يمكن أن تقام في حي غني بالقرب من الشانزليزيه ، ولكن بشرط أن ينصرف الناس فور انتهاءها تقريباً. كان العديد من المنظمين البرجوازيين راغبون في قبول هذا الشرط المهين ، ليس فقط لأنهم يخافون من النظام ، ولكن أيضاً لأنهم كانوا يخشون إثارة حشود ضخمة للتحرك. ومع ذلك ، رفض ليدرو رولين وأنصاره في مجموعة ريفورمي التراجع. وأصدروا دعوة إلى الباريسيين ، وحثوهم على التجمع في ساحة لا مادلين صباح يوم 22 فبراير والتقدم في مسيرة جماعية حتى الشانزليزيه إلى مكان المأدبة. وقد عارضت كل الصحف تقريباً هذا النداء مع المعارضة البرجوازية ، التي عدت المشروع بأكمله بمثابة مغامرة من شأنها أن تؤدي إلى صدام مع النظام وتنتهي بهزيمة دموية للمحتجين.

فعلاً حدثت مواجهة. وقلبت الحشود الجامحة الحافلات العامة ودمرت مصابيح الشوارع. لكن بدا أن الشرطة والحرس الوطني كانا قادرين على التعامل مع الوضع. وفي مساء يوم 22 ، كان لويس فيليب واثقاً من أن الوضع تحت السيطرة. لكن الحشود كانت أكبر في اليوم التالي. وكانت هناك علامات متزايدة على التمرد في الحرس الوطني ، لا سيما داخل الأفواج من المناطق الفقيرة. ثم ، في مساء يوم 23 فبراير ، ثار عمال باريس. لقد جمعوا أكثر من ثمانية ملايين حجر رصف وقطعوا أكثر من 400000 شجرة. بحلول صباح 24 فبراير / شباط ، تم نصب ما يقرب من 1500 حاجز في جميع أنحاء المدينة. أمل لويس فيليب في أن يتمكن من الاستمرار على الرغم من الاحتجاجات عبر إقالة رئيس وزرائه ، فرانسوا جيزو. لكن البادرة جاءت بعد فوات الأوان لذا  استقصى الوضع في باريس ، واستذكر مصير عائلته اللامعة في الثورة الأخيرة ، فتنازل لويس فيليب وهرب من البلاد. لقد انتصرت الثورة ولم تكلف أكثر من 500 قتيل!

ولكن من سيحل محل الملك المخلوع؟ لم تكن البرجوازية والقطاعات الأفضل حالاً من الطبقة الوسطى متأكدة تماماً من أنها ترحب بالنصرحيث سعت المعارضة البرجوازية إلى الضغط على لويس فيليب وإرغامه على منح نوع من الإصلاح الانتخابي. ولكن الآن كانت هناك ثورة بين أيديهم ، مع توقعات وتطلعات جماهير العمال التي أثارتها الإطاحة الناجحة بلويس فيليب. وأصيب معظم الممثلين الراسخين للمعارضة البرجوازية الليبرالية بالصدمة والارتباك بسبب التحول السريع للأحداث. ومن بين القلائل الذين تمكنوا من الحفاظ على توازنه السياسي ألفونس دي لامارتين ، الشاعر الرومانسي المعروف ، الذي استخدم مهاراته الأدبية للتعبير ، بخطاب رفيع ، عن التطلعات النثرية والأنانية للبرجوازية الفرنسية.

تشهد المراحل الأولى من كل ثورة صعود مثل هذه الشخصيات ، سادة الخطاب الفخم الذي يضفي على التفاهات جواً من العمق. فبعد سبعين عاماً ، لعب ألكسندر كيرينسكي هذا الدور في الثورة الروسية. وفي أعقاب تنازل وهروب لويس فيليب ، وسط ارتباك كبير وتحت ضغط من الجمهور ، أعلن لامارتين ، من شرفة فندق دي فيل ، تأسيس الجمهورية الثانية. في الواقع، عارض لامارتين إعلان الجمهورية. لكن الجماهير الباريسية ، التي أدركت جيداً أنها لم تكسب شيئاً من الإطاحة بتشارلز العاشر في عام 1830 ، كانت مصممة على عدم التخلي عن ثمار النصر مرة أخرى.

كانت الحكومة المؤقتة الجديدة ، التي كان من المقرر أن تتولى السلطة في انتظار الانتخابات ، مكونة بالكامل تقريباً من ممثلين  البورجوازية من المحافظين. كان ألكسندر ليدرو رولين هو الشخصية الوحيدة ذات الهوية المتطرفة. طالب لويس بلان بإدراج ليدرو رولين في الحكومة ، لكنه نجح فقط في تأمين تعيينه وعامل ، يُعرف باسم ألبرت ، وزراء في الحكومة المؤقتة.

بالنسبة للبرجوازية ، كان يُنظر إلى الجمهورية الجديدة على أنها بنية سياسية ستستمر في الدفاع عن مصالحها الطبقية. لكن الطبقة العاملة طالبت الحكومة بأن تتخذ سمات الجمهورية الاجتماعية التي من شأنها إعادة هيكلة المجتمع لصالح الشعب العامل. وفي البداية ، سعت الحكومة المؤقتة إلى تشجيع الأمل  أو ، كما اتضح فيما بعد ، الأوهام  بأن الجمهورية الجديدة ستسعى جاهدة لتحسين ظروف الشعب العامل. وفي 25 فبراير ، تعهدت الحكومة الجديدة 'بضمان أجر معيشي للعمال. وهي تتعهد بضمان حق كل رجل في العمل '. قوبل هذا الإعلان بحماس كبير. وكتب برودون: 'ماذا تدعون ثورة 1848؟' الاجابة؟ 'هي الحق في العمل.'

بعد ذلك بأسبوع ، في 2 مارس / آذار ، سنت الحكومة قانوناً آخر حدد يوم العمل  بعشر ساعات في باريس وإحدى عشرة ساعة في باقي أنحاء البلاد. مازال هناك قانون آخر ألغى 'العمالة المربكة' ، وهي الممارسة الواسعة الانتشار التي يقبل فيها مقاول العمل وظيفة بسعر متفق عليه ثم يوظف العمال على أساس مؤقت للقيام بالعمل الفعلي بأجر أقل بكثير. وبالتالي ، يحقق المقاول ربحاً باهظاً من عمل الآخرين. كما نرى ،و قبل 175 عاماً ، كانت الممارسة التي أصبحت الآن وسيلة واسعة الانتشار لممارسة الأعمال التجارية ، وأدت إلى إنشاء عدد لا يحصى من الأعمال المربحة والمعروفة باسم 'الوكالات المؤقتة' ، تعتبر أمراً لا يُحتمل.

وقد حظيت إجراءات الإصلاح هذه بشعبية كبيرة ، ولكن بمجرد ظهورها ، لم تنشئ الحكومة المؤقتة أي وسائل فعالة لإنفاذها. ودعا لويس بلان في الأصل إلى إنشاء وزارة العمل والتقدم إنما رفضت الحكومة المؤقتة هذا. وأنشأت بدلاً من ذلك ، كحل وسط ، لجنة العمل ، التي اجتمعت في قصر لوكسمبورغ (ومن هنا الاسم الذي اشتهرت به ، لجنة لوكسمبورغ) تحت إشراف لويس بلان. كانت تمتلك فقط سلطة التحقيق والتشاور بشأن حالة المخاض. مع مرور الأسابيع ، أصبح العمال محبطين بشكل متزايد نتيجة عجز اللجنة.

لقد كانت قضية الوظائف التي ظهرت  بوصفها مصدر مركزي للصراع بين الحكومة المؤقتة والعمال. كان لويس بلان قد حث على إنشاء 'ورش عمل اجتماعية' كان تصورها في الأصل نوعاً من الهيكل التعاوني الذي من شأنه أن يوفر وظائف ذات مغزى. لم تقدم ورش العمل الوطنية شيئاً حقاً سوى 'عمل' عديم الفائدة ، إذا كان هناك أي شيء على الإطلاق. لقد دفعوا حداً أدنى للأجور مقداره فرنكان يومياً مقابل العمل لما يكون متاحاً ، أو فرنكاً ونصف في حالة عدم وجود عمل. في حين فشل المشروع في معالجة مشكلة الوظائف بطريقة ترضي العمال ، لم يحظ المشروع بشعبية خارج باريس ، لا سيما بين سكان الريف الهائل ، الذين أصبحوا يعتقدون أن الضرائب التي يدفعونها كانت تدعم تباطؤ العمال الباريسيين. وبمرور الأسابيع ، استغل هذا الأمر من قبل السياسيين البرجوازيين الرجعيين ، الذين سعوا إلى تحريض الجماهير الريفية ضد الطبقة العاملة الحضرية. 

ومع تلاشي أول موجة من الحماس ، تحول الوضع السياسي أكثر فأكثر ضد العمال. أما لامارتين وغيره من السياسيين البرجوازيين ، الذين كانوا مذعورين من القوى الاجتماعية التي أطلقتها ثورة فبراير ، فكتبوا  بلا انقطاع ضد العمال. كما كتب أحد المؤرخين عن لامارتين (الزعيم البرجوازي):

لقد انغمس في المعارك الأولى بمزيج من الثقة مثل الهواة ، لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يبدأ في اعتبار البروليتاريا الفقيرة البائسة عدواً خطيراً ، ووجه جهوده لسحرها أكثر من محاولة إقناعها. ... وشعر برعب من الجماهير ... [14]

في البداية ، كان العمال يتطلعون إلى الانتخابات كوسيلة لتأمين تمثيل متعاطف في الجمعية الوطنية. ومع ذلك ، سرعان ما أدركوا أنه إذا أجريت الانتخابات في وقت مبكر جداً ، قبل أن يتاح للثورة الوقت للتأثير على وعي الجماهير الريفية ، فإن النتائج ستكون غير مواتية للغاية.كما قامت البرجوازية بنفس الحساب ، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه ينبغي إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن. نظم العمال مظاهرة جماهيرية يوم 17 مارس بهدف الضغط على الحكومة المؤقتة لتأجيل الانتخابات و حصلوا فقط على موافقة الحكومة المؤقتة على تأجيل الانتخابات لمدة أسبوعين. ولما تم إجراؤها ، أسفرت الانتخابات ، كما كان يخشى العمال ، عن نتيجة محافظة بشكل ساحق. صوتت جماهير الفلاحين الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في 23 أبريل إلى حد كبير كما تم توجيههم للقيام بذلك من قبل الشخصيات المحلية والكهنة.

تحول المناخ السياسي بحدة إلى اليمين. استحوذ غوستاف فلوبير على إعجاب البرجوازية الغاضبة من مطالب العمال وشعاراتهم الاشتراكية في روايته 'التعليم العاطفي'.

في حين حاول آرنوإثبات أن هناك نوعين من الاشتراكية ، جيد وسيئ. لم يستطع الصناعي أن يرى أي فرق بينهما، لأن كلمة 'ملكية' أصابته بغضب شديد.

'إنه حق كرسته الطبيعة. الأطفال يتشبثون بألعابهم ؛ كل شعب وكل حيوان على وجه الأرض يشاركني الرأي. الأسد نفسه ، إذا كان لديه قوة الكلام ، سيطلق على نفسه اسم مالك الأرض! خذوا حالتي أيها السادة: لقد بدأت برأسمال قدره خمسة عشر ألف فرنك. حسناً ، كما تعلمون ، كنت أستيقظ بانتظام في الساعة الرابعة صباحاً كل يوم على مدى  ثلاثين عاماً! ركبني شيطان الوظيفة لأجني ثروتي. والآن يأتون ويقولون لي أنني لا أستطيع أن أتصرف بها كما أريد ، وأن أموالي ليست أموالي ، وأن هذه الممتلكات هي نتاج سرقة! '

'لكن برودون ...' 'أوه ، لا تتحدث معي عن برودون! لو كان هنا ، أعتقد أنني كنت سأخنقه! ' كان سيخنقه بالفعل. تحت تأثير  الخمور على وجه الخصوص ، لم يكن هناك من ضبط ل Fumichon ؛ وبدا وجهه المصاب بالسكتة الدماغية كما لو كان على وشك الانفجار مثل الصدفة.[15]

انطلقت الجمعية الوطنية المنتخبة حديثاً لاستفزاز العمال بإجراءات أكثر عدائية.و أصبحت ورش العمل الوطنية بؤرة تحريض اليمين.و كل المشاكل الاقتصادية التي واجهت فرنسا ، كما قيل للجمهور ، كانت سببها ورش العمل الوطنية والعمل على تلبية مطالب العمال. وبحلول شهر يونيو ، كانت عبارة 'لا يمكن أن يستمر هذا' على لسان عدد لا يحصى من الرأسماليين والبرجوازيين الصغار. استعدت الحكومة للمواجهة مع العمال. وتعززت ثقة لامارتين في قدرته على التعامل مع العمال من خلال تأكيدات ليدرو رولين بأنه سيقف إلى جانب الحكومة في مواجهة الطبقة العاملة.

الثورة المضادة في يونيو 1848

في 21 يونيو ، أعلنت الحكومة أن العمال الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر وخمسة وعشرين عامًا والذين كانوا في ورش العمل الوطنية سيضطرون للانضمام إلى الجيش. أماالعمال الآخرون ، الذين كانوا مقيمين في باريس لمدة تقل عن ستة أشهر ، فتم إسقاطهم من قوائم ورش العمل الوطنية وإرسالهم خارج المدينة. هددت هذه الإجراءات العمال بالجوع. وفي 23 يونيو ، اندلعت الأعمال العدائية المفتوحة في باريس. أقيمت الحواجز في جميع أنحاء المدينة ، التي وقع الكثير منها تحت سيطرة المتمردين. كان المقاتلون يفتقرون إلى أي نوع من المنظور الاشتراكي الواضح. لقد دفعهم اليأس إلى النضال بسبب وضعهم. احتدمت المعركة لمدة أربعة أيام. كان الحرس الوطني ، مع مجندين من جميع أنحاء فرنسا ، الذين تم جلبهم إلى المدينة بالقطار ، تحت قيادة الجنرال كافينياك الذي كان من أنصار الجمهورية ، ولم يعد نفسه رجعياً. لكنه لم يتوان عن توجيه مدفعيته نحو المتاريس. وقتل قرابة خمسمائة متمرد في القتال. وسقط في المعركة ما يصل إلى 1000 من رجال الحرس الوطني. لكن الأسوأ جاء بعد قمع الانتفاضة حيث تم مطاردة المتمردين وقتل ما يصل إلى 3000 بدم بارد. كما تم اعتقال 12000 شخص آخر، ورُحل المئات منهم في النهاية إلى معسكرات العمل في الجزائر.

كتب ألكسندر هيرزن ، أحد الاشتراكيين الروس الأوائل ، الذين راقبوا المذبحة في باريس ، عن أحداث يونيو: 'أصبح القتل في تلك الأيام الرهيبة واجباً. والرجل الذي لم يغمس يديه في الدم البروليتاري أصبح موضع شك في أعين البرجوازية '[16]. أعلن هيرزن برعب واضح مما لاحظه:' مثل هذه اللحظات تجعل المرء يكره لغاية عقد كامل ، ويطلب الانتقام طوال الحياة. ويل لمن يغفر مثل هذه اللحظات! '[17]

كشفت أيام يونيو الرهيبة الحالة الحقيقية للعلاقات الاجتماعية في عصر الرأسمالية والصراع الطبقي بين البرجوازية والعمال. كما كشفت أحداث 1848 في فرنسا عن الواقع الوحشي للصراع الطبقي الذي كان يختبئ وراء الشعارات البرجوازية الجميلة للديمقراطية والجمهورية والحرية. كما كتب هيرزن في عام 1849 ، وهو يبحث في علم النفس الاجتماعي الليبرالي البرجوازي:

تلاعب  الليبراليون لفترة طويلة بفكرة الثورة بسعادة ، وكانت نهاية مسرحية 24 فبراير. دفعهم الإعصار الشعبي إلى قمة برج شاهق يمكنهم من خلاله رؤية أين هم ذاهبون وإلى أين يقودون الآخرين. نظروا إلى الهاوية التي فتحت أمام أعينهم ، وشحبوا. لقد رأوا أن ما كان ينهار ليس فقط ما اعتبروه تحيزاً ، ولكن أيضاً كل شيء آخر ، كل ما عدوه حقيقياً وأبدياً. كانوا خائفين للغاية لدرجة أن البعض تمسك بالجدران المتساقطة ، بينما توقف البعض الآخر في منتصف الطريق ، تائبين، وبدأوا يقسمون لجميع المارة أن هذا لم يكن ما أرادوه على الإطلاق. هذا هو السبب في أن الرجال الذين أعلنوا الجمهورية أصبحوا قتلة الحرية. هذا هو السبب في أن الأسماء الليبرالية التي ترددت في آذاننا لعشرات السنين أو نحو ذلك ، هي اليوم أسماء نواب رجعيين وخونة ومحققين. إنهم يريدون الحرية وحتى جمهورية شريطة أن تقتصر على دائرتهم المزروعة ...

منذ إعادة الملكية ، دعا الليبراليون في جميع البلدان الناس إلى تدمير النظام الملكي والإقطاعي ، باسم المساواة ، ودموع الأسف، ومعاناة المضطهدين ، وجوع المظلومين. لقد استمتعوا بملاحقة العديد من الوزراء بسلسلة من المطالب المستحيلة. وابتهجوا لما انهارت دعامة إقطاعية تلو الأخرى ، وفي النهاية أصبحوا متحمسين لدرجة أنهم تجاوزوا رغباتهم الخاصة. لقد عادوا إلى رشدهم حين ظهر ، من خلف الجدران نصف المهدمة ، البروليتاري ، العامل بفأسه ويديه المسودتين ، جائع ونصف عاري في خرق و ليس كما يظهر في الكتب أو في الثرثرة البرلمانية أو الكلام الخيري ، ولكن كما هو في الواقع. هذا 'الأخ البائس' الذي قيل عنه الكثير ، والذي أُغدق عليه الكثير من الشفقة ، سأل أخيراً عن نصيبه في كل هذه النعم ، أين حريته ، ومساواته ، وأخوته؟ كان الليبراليون مذعورين من وقاحة العامل ونكرانه. اقتحموا شوارع باريس معتدين، ونشروا الجثث ، ثم اختبأوا من أخيهم خلف حراب الأحكام العرفية في جهودهم لإنقاذ الحضارة والنظام!

دروس 1848

بالنسبة لماركس ، كان سحق الطبقة العاملة في باريس حدثاً ذا أهمية تاريخية عالمية. نشأت هذه المواجهة بين الطبقتين العظيمتين في المجتمع الحديث من الطابع المتضارب لمصالحهما. كانت الجمهورية الاجتماعية مجرد خيال. كتب ماركس: 'كان على البرجوازية أن تدحض ، بحمل السلاح ، مطالب البروليتاريا'. والمهد الحقيقي للجمهورية البرجوازية ليس انتصار فبراير ؛ إنها هزيمة يونيو '.   [19]كانت مطالب الطبقة العاملة قد أرغمت الجمهورية البرجوازية ، على  الخروج فوراً في شكلها النقي كدولة هدفها المعترف به هو إدامة حكم رأس المال ، وعبودية العمل.  وبعد أن ظل أمام عينيه باستمرار العدو المصاب بالندوب ، الذي لا يمكن التوفيق بينه ، والذي لا يقهر، لأن وجوده هو شرط حياته، كان من المحتم أن يتحول الحكم البرجوازي ، المتحرر من جميع القيود، إلى إرهاب بورجوازي '.[20]

شكلت الأحداث في فرنسا نقطة تحول تاريخية عظيمة. قبل فبراير 1848 ، كانت الثورة تعني ببساطة الإطاحة بشكل الحكومة. لكن بعد يونيو ، أعلن ماركس ، أن الثورة تعني 'الإطاحة بالمجتمع البرجوازي'. [21]

كانت الثورة في فرنسا ستوفر دراما سياسية كافية لأي عام عادي. لكن عام 1848 لم يكن أمراً عادياً فقد حرضت ثورة فبراير شرارة السكان المضطربين في جميع أنحاء أوروبا ، وأطلقت موجة غير مسبوقة من النضالات الجماهيرية  في إيطاليا وألمانيا والنمسا والمجر. كانت هناك أيضاً اضطرابات كبيرة في سويسرا والدنمارك ورومانيا وبولندا وأيرلندا. حتى في إنجلترا ، معقل الحكم البرجوازي حيث بلغت الحركة الراديكالية للشارتين ذروتها.

كل هذه النضالات لها أهمية تاريخية كبيرة ، وكان لنتائجها عواقب بعيدة المدى على التطور السياسي والاجتماعي في أوروبا. ولكن من وجهة نظر أصول وتطور نظرية الثورة الدائمة ، فإن الأحداث في ألمانيا لها أهمية كبرى لأسباب تتعلق بالوقت ،و من الممكن أن نقدم اليوم أكثر من موجز للثورة الألمانية. لقد وفرت ثورة فبراير في باريس بلا شك الدافع السياسي والأخلاقي لانتفاضة مارس في برلين ، والتي ، دعونا نلاحظ بإيجاز ، أنها حدثت بعد أيام قليلة من انتفاضة فيينا. اهتزت سلالة هوهنزولرن في بروسيا بشدة. إذا تم اتباع نمط الثورة الفرنسية الكبرى 1789-1994 ، فإن البرجوازية الألمانية ستواصل نضالها ضد نظام الأسرة الحاكمة لتنفيذ المهام الرئيسية لثورتها البرجوازية: الإطاحة بالنظام الملكي وجميع البقايا السياسية للإقطاع وتصفية الإمارات القديمة وتوحيد الشعب الألماني في دولة قومية كبيرة ؛ وإقامة جمهورية ديمقراطية.

لكن ، كما اتضح ، أثبتت البرجوازية الألمانية أنها غير قادرة وغير راغبة في القيام بأي من هذه المهام. كانت قصة عام 1848 في ألمانيا بمثابة خيانة للبرجوازية الألمانية للثورة البرجوازية. ما الذي تقوم عليه هذه الخيانة؟ كتب المؤرخ الشهير ويليام لانجر:

سأل ماركس وإنجلز نفسيهما، أثناء تأملهما للوضع الألماني في يناير 1848 ، ما إذا كانت البرجوازية في أي بلد في وضع أفضل لمواصلة نضالها ضد الحكومة القائمة. وأشارا ، بطبيعة الحال ، إلى الضيق والاضطراب المنتشرين والفشل الواضح لليبراليين في استغلال فرصتهم. ولكن هؤلاء الليبراليون و المسؤولون التقدميون ، والفئة العليا من المثقفين والرجال المحترفين، وخاصة طبقة رجال الأعمال الجديدة  كانوا مترددين في تحريض ثورة في ألمانيا كما كان حالهم  في أماكن أخرى. وبتذكر التجاوزات التي حدثت لإرهاب عام 1793 في فرنسا ، فقد خافوا من حدوث انتفاضة كبرى كما فعل الأمراء والأرستقراطيون.

لم تكن أحداث 1793-1994 وحدها هي التي أرعبت البرجوازية الألمانية. لقد أثارت التطورات المعاصرة في فرنسا بكل وضوح شبح الثورة الاشتراكية التي هددت الملكية الرأسمالية وأسس الحكم البرجوازي. إن كل تصرفات الممثلين السياسيين للبرجوازية الألمانية ، وكذلك الممثلين الأكثر راديكالية للبرجوازية الألمانية الصغيرة ، كانوا مقيدين بخوفهم من البروليتاريا. إن النضال الحازم ضد كل بقايا الإقطاع في الاقتصاد والبنية السياسية ، الموجه نحو التوحيد الوطني للدول الألمانية على أساس ديمقراطي ، كان سيتطلب التعبئة الثورية للبورجوازية من قبل الطبقة العاملة والفلاحين. وبالنظر إلى تطور الرأسمالية والطبقة العاملة الصناعية خلال نصف القرن الماضي ، شكلت مثل هذه التعبئة خطراً كبيراً للغاية على المصالح الطبقية للبرجوازية التي فضلت السعي إلى حل وسط مع الطبقة الأرستقراطية على حساب الطبقة العاملة.

كان مثال الجبن الليبرالي البرجوازي هو برلمان فرانكفورت ، الذي اجتمع في كنيسة سان بول. وتحدث مندوبوالبورجوازية المكونون من عدد لا يحصى من الأساتذة والمحامين تحدثوا بلا نهاية ولم ينجزوا شيئاً ذا أهمية. تنازل البرلمان عن زمام المبادرة عن طيب خاطر لصالح الأرستقراطية البروسية ورفض استخدام الإجراءات الثورية لتحقيق توحيد ألمانيا بل تٌركت هذه المهمة للنظام البروسي الرجعي ، الذي نفذها فيما بعد تحت قيادة بسمارك.

في خيانة البرجوازية لثورتها البرجوازية 'الخاصة' ، شجب ماركس وإنجلز الدور الذي لعبه الراديكاليون البرجوازيون الصغار الذين يتكلمون بخطاب اليسار ، والذين انقلبوا ضد الطبقة العاملة في كل مرحلة حرجة من النضال. وقد أوضح إنجلز دورهم في أحداث 1848-1849 بدقة لا هوادة فيها:

يوضح تاريخ جميع الحركات السياسية منذ عام 1830 في ألمانيا ، كما في فرنسا وإنجلترا ، أن هذه الطبقة ثابتة على الدوام مليئة بالاحتجاجات الصاخبة والضاجة ، وفي بعض الأحيان متطرفة في ما يتعلق بالكلام ، طالما أنها لا ترى أي خطر ؛ هي ضعيفة القلب ، وحذرة ، وتراجع حساباتها حالما يقترب أدنى مستوى من الخطر ؛ وتفزع وتقلق وتتردد حالما يتم الاستيلاء على الحركة التي أثارتها والتعامل معها بجدية من قبل الطبقات الأخرى ؛ وهي خائنة للحركة بأكملها من أجل وجودها البرجوازي الصغير بمجرد وجود أي مسألة صراع بالسلاح في متناول اليد - وفي النهاية ، نتيجة لترددها ، غالباً ما تعرضت للغش وسوء المعاملة بمجرد أن ينتصر الجانب الرجعي.

في مارس 1850 ، لخص ماركس وإنجلز الدروس السياسية لثورة 1848 في وثيقة عُرِفت باسم 'عنوان السلطة المركزية إلى العصبة'. سعت هذه الوثيقة ، على أساس التجارب الثورية للسنتين الماضيتين ، إلى ترسيخ المصالح المستقلة والدور التاريخي للطبقة العاملة في الثورة الديمقراطية. أصر ماركس وإنجلز على أنه يجب على الطبقة العاملة ، تحت جميع الظروف ، أن تحافظ على استقلالها السياسي ليس فقط عن الأحزاب البرجوازية ، ولكن أيضاً عن أحزاب ومنظمات البرجوازية الصغيرة الديمقراطية. وشددا على الصراع الاجتماعي الأساسي الذي وضع الطبقة العاملة على خلاف مع الطبقة الوسطى الديمقراطية:

وبعيداً عن الرغبة في تحويل المجتمع بأسره من أجل البروليتاريين الثوريين ، سعى البرجوازيون الصغيرون الديمقراطيون إلى تغيير الظروف الاجتماعية التي من خلالها يصبح المجتمع القائم محمولاً ومريحاً قدر الإمكان ... 

رغبت البرجوازية الصغيرة الديمقراطية في إنهاء الثورة بأسرع ما يمكن ... من مصلحتنا ومهمتنا أن نجعل الثورة دائمة ، حتى يتم إجبار جميع الطبقات المالكة بشكل أو بآخر على الخروج من موقعها المهيمن ، يجب على  البروليتاريا الاستيلاء على سلطة الدولة ، وتطوير اتحاد البروليتاريين ، ليس فقط في بلد واحد ولكن في جميع البلدان المهيمنة في العالم ، لدرجة أن المنافسة بين البروليتاريين في هذه البلدان ستنتهي وأن القوى المنتجة الحاسمة على الأقل ستكون مركزة في أيدي البروليتاريين.

اختتم ماركس وإنجلز خطابهما بالإعلان أن 'صرخة معركة' البروليتاريا يجب أن تكون: 'الثورة في المستمرة'.   [25]بعد أكثر من نصف قرن ، سيتم تحليل تجارب ودروس عام 1848 وإعادة صياغتها من قبل المنظرين الكبار من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي والأممية الثانية ، حيث سعوا إلى فهم الديناميكيات السياسية والمهام التاريخية للثورة الروسية.

[1] Lecture delivered at the summer school held by the Socialist Equality Party (US) in Ann Arbor, Michigan, July 2011. 

[2] Pabloism is a petty-bourgeois opportunist tendency that emerged in the early 1950s. It pro- voked a split in the Fourth International in 1953. A review of the history of this grouping is provided in Chapter 11, pp. 274-275.

[3]Available:http://www.attac.org/en/tags/tunisia/tunisia-social-and-democratic-revolution-underway 

[4] Available: http://socialistworker.org/2011/02/07/call-from-egyptian-socialists 

[5] See Chapter 10 of this volume, Witnesses to Permanent Revolution: A significant contribution to the Study of Marxist Political Strategy.

[6] توم هينيهان كان عضواً قيادياً في رابطة العمال (التنظيم الذي انبثق منه حزب المساواة الاشتراكية) وتم اغتياله رمياً بالرصاص في مدينة نيويورك في السادس عشر من أكتوبر 1977 وهو في السادسة والعشرين من العمر

[7] Karl Marx and Frederick Engels, Collected Works, Volume 10 (New York: International Publishers, 1978), pp. 50–51. 

[8] Cited in Mike Rapport, 1848: Year of Revolution (New York, Basic Books, 2008), p. 13.

[9] Karl Marx and Frederick Engels, Collected Works, Volume 3 (New York: International Publishers, 1975), p. 418. 

Loading