العربية
Perspective

خطاب بايدن وخطر الفاشية في أمريكا

نُشرت هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية في 2 سبتمبر 2022

ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن مساء الخميس خطاباً ليس له سابقة في تاريخ البلاد. بعد تجاوز كل مراوغاته و  إطالاته ، اعترف بايدن بشكل أساسي بأن الولايات المتحدة ، التي يُفترض أنها ركيزة الديمقراطية في العالم ، لديها حركة فاشية جماهيرية على وشك الإطاحة بالدستور والاستيلاء على السلطة.

وقال بايدن: 'ما من شك في أن الحزب الجمهوري اليوم يهيمن عليه ويخيفه الجمهوريون من أنصار MAGA [اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى] ، وهذا تهديد لهذا البلد'. وأضاف أن 'ترامب وجمهوريي MAGA يروجون' لتطرف يهدد أساس جمهوريتنا '. إنهم 'لا يحترمون الدستور' ولا 'يعترفون بإرادة الشعب' أو 'يقبلون نتائج انتخابات حرة'. إنهم 'يعملون الآن ... لتحديد نتائج الانتخابات في أمريكا لمصلحة الحزبيين والمقربين ، وتمكين منكري الانتخابات لتقويض الديمقراطية نفسها'. إنهم يرون في فشل انقلاب 6 يناير 'استعداداً لانتخابات 2022 و 2024'.

فكروا للحظة في ما يعنيه هذا فدونالد ترامب ليس مجرد فرد مشوش يتصرف بمفرده. تُحكم الولايات المتحدة من خلال نظام حزبين يسيطر عليهما الرأسماليون. ويقف ترامب في قمة أحد الحزبين المعتمدين من قبل الدولة ، هوالحزب الجمهوري ، الذي يمارس بالفعل سلطة مؤسسية هائلة.

يسيطر الجمهوريون على ولايات 28 من أصل 50 ولاية والمجالس التشريعية في 30 ولاية. ويشغلون 50 من أصل 100 مقعد في مجلس الشيوخ الأمريكي و 211 من أصل 435 مقعد في مجلس النواب.

 يحتل الجمهوريون عدداً كبيراً من المقاعد القضائية على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي ، بما في ذلك غالبية المقاعد في محاكم الاستئناف الفيدرالية. والأكثر شهرة هو أن الجمهوريين يسيطرون على المحكمة العليا الأمريكية.

بالإضافة إلى وجوده الهائل في الفرعين القضائي والتشريعي للحكومة ، فإن الجمهوريين راسخون بعمق في الجيش ، المليء بالجنرالات فاشيي التفكير والضباط ذوي الرتب الدنيا. جميع وكالات الأمن والشرطة مثل وزارة الأمن الداخلي (DHS) ، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ، وإدارة الهجرة والجمارك (ICE) ، على سبيل المثال لا الحصر ، تعمل بشكل جماعي من قبل مئات الآلاف من الأشخاص المتحمسين من الجمهوريين المؤيدين لترامب. وثمة غزو فاشي مماثل في كل مركز شرطة محلي تقريباً في البلاد.

يسيطر الحزب الجمهوري أيضاً على أقسام مهمة من مؤسسات وسائل الإعلام ، وهي مؤسسات مساعدة للدولة وأحزابها السياسية.

حقيقة أن إحدى الركائز المزدوجة للسياسة الرأسمالية في الولايات المتحدة يقودها فاشي ، وأيد رفضه لنتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 ، ودعم سراً وعلناً محاولة الانقلاب العنيفة في 6 يناير 2021. هذا يعني أن قسم كبير من الطبقة الحاكمة يؤيد بنشاط الإطاحة بالدستور والتحول السريع والعنيف إلى الديكتاتورية.

بالنسبة لبايدن ، الذي أطرى طيلة التسعة عشر شهرًا الماضية على 'أصدقائه' الجمهوريين ، وأشاد بفضائل 'الثنائية الحزبية ' ، بل وأعلن دعمه لحزب جمهوري 'قوي' ، وها هو قد ذهب إلى التلفزيون الوطني في وقت الذروة لإطلاق صوته. يشهد التحذير العام غير المسبوق على مدى الخطر الفاشي. لكن الرئيس لم يقم بأي محاولة لشرح كيف وصلت الولايات المتحدة إلى هذه النقطة إذ غابت الإشارات إلى التاريخ والاقتصاد وحتى إلى السياسة غائبة عن خطابه.

بدلاً من ذلك ، لم يقدم بايدن شيئاً سوى نداء أخلاقي يلوم ضمنياً ناخبي ترامب على خطر الديكتاتورية. قال إنهم مدفوعون 'بالخوف' و 'الانقسام' و 'الظلام' ، وقد رفضوا 'نور الحقيقة' لصالح 'ظل الأكاذيب'. بطريقة ما ، ظهر 'ترامب والجمهوريون من MAGA' من هذا 'الظل' وسوف يتم التخلص منهم مع خطاب بايدن شبه الطفولي ، وبالطبع من خلال التصويت للديمقراطيين في الانتخابات القادمة.

لم يستطع بايدن تقديم أي تفسير ذي مصداقية لماذا أدلى 74 مليون شخص ، بما في ذلك نسبة كبيرة من العمال ، بأصواتهم لصالح ترامب في عام 2020. وقد استثنى في خطابه أي إشارة إلى المصالح الاقتصادية والانقسامات الطبقية ، ناهيك عن الهيمنة المالية للشركات المرتبط بنظام الحزبين ، لم يبذل بايدن أي جهد لفضح التناقض الصارخ بين ديماغوجية ترامب اليمينية الفجة 'المناهضة للمؤسسة' ودفاعه الثابت عن مصالح الطبقة الحاكمة.

ففي نظام الحزبين الراسخ في أمريكا ، تدعم قطاعات من العمال والطبقة الوسطى الحزب الجمهوري ليس عن قناعة ولكن بشكل افتراضي. إلى الحد الذي يتمتع فيه ترامب بقاعدة ، فذلك لأن الديمقراطيين ليس لديهم ما يقدمونه ولأن الجمهوريين خبراء في التلاعب بالمظالم الحقيقية و مشاعر الاستياء.

لم يكن فشل بايدن في الكشف عن الأساس الاقتصادي الحقيقي لسياسات ترامب مسألة نسيان. ففي الواقع و على الرغم من الصراع بين الطرفين ، يمثل كلاهما ، في التحليل الأخير ، الطبقة الرأسمالية الحاكمة ومصالحها المالية والشركات الوطنية والعالمية.

لقد كان الجمهوريون قادرين على حشد دعم أوسع فقط لأن الحزب الديمقراطي رفض كل الإجراءات التي لها علاقة بتحسين ظروف الطبقة العاملة. إنه حزب من وول ستريت والجيش ، يحشد خلفه أقساماً من الطبقة المتوسطة العليا على أساس السياسات العرقية والجندر. فمنذ وصوله إلى السلطة ، اتبع بايدن ، في جميع أساسياته ، نفس السياسة التي اتبعها الجمهوريون ، بما في ذلك موضوع الجائحة.

بايدن والحزب الديمقراطي قلقان بشأن التداعيات السياسية والاجتماعية لما يفعله الجمهوريون. إنهم يدركون أنه بمجرد اتخاذ مثل هذه الإجراءات المتطرفة مثل قلب الدستور ، لا يعود من الممكن التراجع عنها ، وأن نظام الحكم الطبقي بأكمله يتعرض للاضطراب.

ومع ذلك ، فإن الديموقراطيين يخافون من نمو حركة اجتماعية من أسفل أكثر بكثير من خوفهم من الديكتاتورية. علاوة على ذلك ، ركز الانشغال المركزي للديمقراطيين في صراعهم مع ترامب دائماً على السياسة الخارجية. وكان من الغائب الملحوظ عن تصريحات بايدن يوم الخميس أي إشارة إلى توسيع الحرب بين الولايات المتحدة والناتو ضد روسيا. يعود هذا  لسببين، أولاً ، إنهم يدركون أن الحرب لا تحظى بشعبية على الإطلاق. ثانياً ، يعتمد الديموقراطيون على الحزب الجمهوري ، 'الذي يهيمن عليه المتطرفون' ، للمساعدة في شن هذه الحرب.

لقد مهد الديموقراطيون الطريق لهذه الديناميكية الرجعية من خلال إخبار العمال بأنهم 'مؤسفون' ، وشجب العمال على أنهم عنصريون ، و ن خلال تقويض الوعي الديمقراطي عبر تشويه سمعة الثورة الأمريكية والحرب الأهلية.

تماشياً مع إداناتهم الأخلاقية لأولئك الذين قادوا نضالات عظيمة من أجل المساواة الاجتماعية ، أمضى الديمقراطيون الخمسين عاماً الماضية في التخلص من البرامج الاجتماعية وخفض الضرائب على الأغنياء.

إن خطر الدكتاتورية الفاشية مستمر  وقد وصلت عملية ممتدة إلى نقطة تحول. إن تهديد الديكتاتورية متجذر بشكل أساسي في 1) الأزمة الموضوعية للرأسمالية الأمريكية وتراجع تفوقها العالمي ؛ 2) تكثيف الاستغلال الاقتصادي ، ونتيجة لذلك ، النمو المفرط لعدم المساواة الاجتماعية ؛ 3) القمع المنهجي للنضالات الاجتماعية للطبقة العاملة ؛ 4) 30 عاماً من الحرب المستمرة ، والتي تطورت منذ وصول بايدن إلى السلطة إلى مواجهة مباشرة مع روسيا والصين. تريليونات الدولارات من النفقات العسكرية للتحضير للحرب العالمية الثالثة لا تترك شيئًا للبرامج الاجتماعية الأساسية. إن التصعيد نحو حرب شاملة يتطلب التصعيد نحو الديكتاتورية.

إن الرد على خطر الديكتاتورية يكمن في  تطوير الصراع الطبقي إلى المدى الذي تكسر فيه الطبقة العاملة القيود التي فُرضت عليها ، وحينها يمكن أن تظهر الاصطفافات الطبقية الحقيقية في المقدمة. يجب أن يكون هذا مرتبطاً ببرنامج اقتصادي وسياسي اشتراكي يمكن أن يجذب الجماهير العريضة من الطبقة العاملة. بهذه الطريقة فقط سيتم الكشف عن القوى التي تقف وراء حركة ترامب. وبقدر ما يمتلك ترامب قاعدة جماهيرية ، فإن ثلثيها ، إن لم يكن ثلاثة أرباعها ، يدعمها الهواء الساخن لديماغوجيته. إن تطور الصراع الطبقي سيفجر منطاده.

إن الحل لنمو الفاشية ليس المثاليات الأخلاقية لبايدن والديمقراطيين ، ولكن تطوير حركة توحد الطبقة العاملة الأمريكية في النضال ، على أساس برنامج اشتراكي أممي ، ضد جميع أشكال الاستغلال الرأسمالي والإمبريالي والحرب.

Loading