العربية

لبنان يواجه أول انتشار للكوليرا منذ عقود

نُشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية في 20 نوفمبر 2022

أفاد مسؤولون لبنانيون ودوليون أن عدد الوفيات الناجمة عن تفشي الكوليرا في البلاد، وهي المرة   الأولى منذ ثلاثة عقود،  وصل إلى 18 حالة. وهناك أكثر من 1400 حالة مؤكدة منذ تسجيل أول حالة في 5 أكتوبر / تشرين الأول.

ارتبط مرض الكوليرا ، وهو مرض بسيط العلاج نسبياً ويتم عن طريق الترطيب الفموي أو الوريدي والمضادات الحيوية ، منذ فترة طويلة بأفقر بلدان العالم حيث يكون الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي الأساسي محدوداً.

إن تفشي المرض في عام 2022 في لبنان ، الذي كان يوماً ما بلداً غنياً نسبياً ، يرجع إلى الفقر المدقع الذي خلقته عقود من الحروب الإمبريالية في الشرق الأوسط ، وحرب واشنطن بالوكالة لتغيير النظام في سوريا المجاورة ، وسياسة 'دعها تنفجر' ا الوبائية للحكومات الرأسمالية في العالم ، ونهب موارد البلاد من قبل النخبة المالية الفاسدة في لبنان ، وتفجير ميناء بيروت عام 2020 ، والتأثير الاقتصادي لحرب الولايات المتحدة / الناتو على روسيا في أوكرانيا ، والاستغلال من قبل صناعة الأدوية في العالم.

وكانت النتيجة انخفاضًا هائلاً بنسبة 60 في المئة في الاقتصاد اللبناني ، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 55 مليار دولار في عام 2018 إلى ما يقدر بنحو 20.5 مليار دولار في عام 2021 ، وهو نوع الانكماش المرتبط عادةً بالحروب ، وفقًا للبنك الدولي.

ينتشر مرض الكوليرا ، وهو مرض معوي ينتقل عن طريق الماء ، عن طريق تناول الماء أو الطعام الملوث من فضلات الأشخاص المصابين. وهو يسبب الإسهال والقيء الذي لا يمكن السيطرة عليه والذي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في غضون ساعات من الجفاف إذا لم يتم علاجه. ونظراً أن 75 في المئة من المصابين بالكوليرا لا تظهر عليهم أي أعراض ، فإن العدد الحقيقي للمصابين في لبنان يمكن أن يكون أكثر من 5000.

تم رصد المرض لأول مرة في المناطق الريفية اللبنانية ، في المناطق الشمالية المتاخمة لسوريا. وقالت رئيسة الفريق الفني لمنظمة الصحة العالمية في لبنان ، أليسار راضي ، إن وجودها كان 'على الأرجح بسبب انتقال السكان'. وقد انتشر المرض بسرعة في جميع المحافظات الثماني و في 18 من أصل 26 ناحية.

وتم منذ أواخر أغسطس / آب ، الإبلاغ عن أكثر من 35000 حالة مشتبه بإصابتها بالكوليرا و 92 حالة وفاة في جميع أنحاء سوريا ، حيث تعتقد منظمة الصحة العالمية أن تفشي المرض ربما بدأ. لقد ارتفعت مستويات الفقر منذ بداية الحرب في عام 2011 التي دمرت البنية التحتية المادية والاقتصادية والزراعية للبلاد. و يأتي تفشي الكوليرا في سوريا خلال أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد منذ عقود إذ  يتم ضخ مياه الصرف الصحي اغير المعالجة في نهر الفرات الذي يعتمد عليه مئات الآلاف من الناس.

وتوضح منظمة الصحة العالمية أن حالات الإصابة في سوريا مرتبطة بتفشي للداء بدأ في أفغانستان في يونيو قبل أن ينتشر إلى باكستان وإيران والعراق ثم سوريا ولبنان.

وقال وزير الصحة اللبناني فراس أبيض: 'معظم حالات الكوليرا في لبنان كانت في المخيمات ، وسط ما يقرب من مليون سوري لجأوا خلال العقد الماضي من الصراع في وطنهم'.

والأطفال أكثر عرضة للإصابة بالحالات الشديدة ، خاصة إذا كانوا يعانون من سوء التغذية. ففي لبنان ، تم الإبلاغ عن حالات الكوليرا بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و 4 سنوات ، بحيث وصلت غلى ربع مجمل الإصابات وفقاً لأحدث تقرير لليونيسيف عن الوضع في لبنان.

لقد تركت الأزمة الاقتصادية في البلاد مساحات واسعة من البلاد عرضة لانقطاعات متكررة وطويلة للكهرباء. و نظرا ًلعدم قدرتها على تأمين الوقود ، لا تستطيع العديد من محطات معالجة المياه الرئيسية ضخ المياه للمنازل، حيث أعلنت مؤسسة مياه جنوب لبنان مؤخرا ًأنها ستضطر إلى إيقاف الخدمات ، مما يترك الآلاف بدون مياه جارية. ولذلك يتم ضخ مياه الصرف الصحي غير المعالجة في الأنهار.

كماأن النقص الحاد في اللقاحات على مستوى العالم زاد من حدة الأزمة. من المقرر أن توقف الشركة الهندية التابعة لشركة Sanofi الفرنسية المسؤولة عن إنتاج أحد اللقاحين فقط من لقاح الكوليرا الفموي المتاحين للاستخدام في حالات الطوارئ الإنسانية ، الإنتاج في نهاية هذا العام ، تماما ً في وقت  يواجه العالم سلسلة 'غير مسبوقة' من تفشي المرض المميت. 

وهذا على الرغم من المناشدات المتكررة من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس الذي حذر الشهر الماضي من أن أزمة المناخ 'عززت'انتشار المرض حيث أن الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والأعاصير والجفاف تقلل من وصول الناس إلى المياه النظيفة. وأشار إلى أن متوسط ​​معدل الوفيات من جراء المرض هذا العام يقارب ثلاثة أضعاف معدل السنوات الخمس السابقة.

استجابت منظمة الصحة العالمية من خلال تعليق التطعيم بجرعتين لتمكين الجرعات المتاحة من استخدامها على نطاق أوسع.و تسلم لبنان أول دفعة تضمنت 13000 لقاح فقط تبرعت بها فرنسا في بداية هذا الشهر. كما قدمت منظمة الصحة العالمية 600000 جرعة أخرى للأشخاص الأكثر عرضة للخطر ، بما في ذلك العاملين في الخطوط الأمامية والسجناء واللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم.

يحدث تفشي الكوليرا في لبنان وسط انتشار الفقر وانهيار الخدمات العامة وتزايد التوترات المجتمعية ، حيث أدت أزمة الغذاء والوقود العالمية إلى تفاقم الوضع المتردي بالفعل. و يعيش حوالي 80 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 6.8 مليون نسمة تحت خط الفقر. كما فقدت العملة اللبنانية 95 في المئة من قيمتها ، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وهدم القوة الشرائية. وقفزت أسعار المواد الغذائية بنسبة 500 في المئة في العام الماضي بسبب التضخم المتسارع.

صار الوصول إلى السلع الأساسية ، بما في ذلك الغذاء والماء والرعاية الصحية (حيث تقبل المستشفيات الدفع بالدولار الأمريكي فقط) والتعليم والنقل في خطر. إن أربعة من كل 10 من الأطفال في سن الدراسة من اللاجئين و من السوريين خارج التعليم ، بينما تسرب 14٪ من الأطفال اللبنانيين خلال 2020-2021. مع ارتفاع أسعار الوقود مع إنهاء الدعم الحكومي في سبتمبر ، و قفزت تكلفة الركوب في سيارة أجرة مشتركة ، الشكل الرئيسي لوسائل النقل العام ، من 2000 ليرة قبل الأزمة إلى 50000 ألف ليرة.

كما بلغت الهجرة أعلى مستوى لها منذ الحرب الأهلية من 1975 إلى 1989. فوفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب عام 2021 ، أراد 63 بالمئة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع المغادرة بشكل دائم ، ومثل هذا  ارتفاعاً بنسبة  26 بالمئة مقارنة مع الوضع قبل الأزمة. ومن بين المغادرين الأطباء ، حيث أفادت منظمة الصحة العالمية أن معظم المستشفيات تعمل بقدرة 50 في المئة. إذ هاجر قرابة  40 في المئة من الأطباء ، معظمهم من المتخصصين ، و 30 في المئة من الممرضات بشكل دائم أو صاروا يعملون بدوام جزئي في الخارج.

كما بادرت البنوك اللبنانية ، المملوكة لعائلات ثرية أقرضت الدولة التي تخلفت عن سداد ديونها بالعملة الصعبة في 2020 ، بتجميد المودعين العاديين من حساباتهم بالدولار. لقد حدوا بشدة من جميع عمليات السحب على أساس أسعار الصرف التي تمحو ما يصل إلى 95 في المئة من قيمتها. و كات هناك سلسلة من عمليات السطو على البنوك حظيت بتغطية إعلامية جيدة حيث يسعى العملاء اليائسون إلى سحب أموالهم لدفع تكاليف الرعاية الصحية التي تشتد الحاجة إليها لأحبائهم.

وقد تفاقم كل هذا بسبب الأزمة السياسية الطويلة في لبنان. لقد تقاعد الرئيس ميشال عون البالغ من العمر 89 عاما ًفي نهاية فترة ولايته التي استمرت ست سنوات دون أن تتفق الفصائل المتحاربة في برلمان البلاد ، المدين بالفضل للعديد من دافعيرواتبهم الإقليميين في الخليج وإيران ، على تحديد من يخلفه . يوقع الرئيس مشاريع القوانين ويعين رؤساء الوزراء الجدد.  ويجب أن يشغل هذا المنصب مسيحي بموجب الدستور الطائفي للبلاد.

في أربع جلسات منفصلة ، لم يتمكن الفصيلان المسيحيان المتنافسان من تأمين الدعم الكافي لمرشحهما الرئاسي ، تاركين لبنان لتحكمه حكومة انتقالية محدودة السلطات  بقيادة أغنى رجل في البلاد نجيب ميقاتي ، الذي لم يتمكن من تشكيل حكومة منذ ترشيحه لهذا المنصب في مايو الماضي.

يعيش حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان في ظروف مروعة ومكتظة وغير صحية في مستوطنات عشوائية وملاجئ جماعية دون حقوق قانونية.

وقد أعلنت الحكومة عن خطة للعودة 'الطوعية' في وقت حرضت فيه على التمييز ضد اللاجئين. ويتبع هذا مسار خطة مماثلة في 2018 عندما أعاد لبنان نحو 400 ألف لاجئ. وقد عبر قلة من سكان المخيمات المتداعية في وسط البقاع بشرق لبنان عن رغبتهم بتوقيع طلب العودة. قالت الباحثة في شؤون سوريا في منظمة العفو الدولية ، ديانا سمعان ، ببساطة إن 'سوريا ليست آمنة للعودة' ، مشيرة إلى أن العائدين السابقين تعرضوا لانتهاكات لحقوقهم بما في ذلك الاعتقال والتعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري.

Loading