العربية

مع المحاكمات الصورية والإعدامات ، يكثف حكام إيران قمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة

نُشرت هذه المقالة باللغة الإنجليزية في كانون الثاني/يناير 11 2023

تظاهر العشرات خارج سجن رجائي شهر في كرج ، بالقرب من العاصمة الإيرانية طهران ، يوم الاثنين في محاولة لوقف إعدام شابين أدينا في محاكمات صورية بزعم مهاجمة أفراد الأمن خلال موجة الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي استمرت لأشهر. 

كانت هناك أيضاً تقارير عن مظاهرات في العديد من أحياء طهران ليلة السبت الماضي بعد إعدام متظاهرين آخرين في وقت سابق من ذلك اليوم. ووفقاً للتقاريرهتفت الحشود ، 'مقابل كل قتيل ، هناك ألف آخر وراءه'.

كما نظمت احتجاجات في مدن إيرانية أخرى نهاية الأسبوع الماضي رداً على عمليات الإعدام. وطبقاً للتقارير الصحفية ، فقد هتف المشاركون 'الموت لخامنئي' (آية الله الذي شغل منصب المرشد الأعلى للبلاد منذ عام 1989) ، 'لا نريد الحكومة التي تقتل الأطفال' ، و 'الموت للباسيج' ،وهي قطعة متطوعة في صفوف  الحرس الثوري  الإسلامي التي كانت في مقدمة ومركز لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

جاءت الاحتجاجات الغاضبة يوم الاثنين طالبت الحكومة بوقف عمليات الإعدام في أعقاب أحكام أصدرتها المحكمة العليا الإيرانية أكدت أحكام الإعدام بحق محمد غوبادلو البالغ من العمر 22 عاماً ، الذي زُعم أنه دهس عدة أفراد من قوات الأمن بسيارته ، مما أسفر عن مقتل شخص و  محمد بروغاني البالغ من العمر 19 عاماً، الذي أدين بـ «محاربة الله» بزعم قتل أحد أفراد قوات الأمن بسكين . 

وقد وصف نظام الملالي البرجوازي في إيران الاحتجاجات بأنها 'أعمال شغب' واتهم المتظاهرين مراراً وتكراراً بالعمل بتحريض من الحكومات الأجنبية ، ولا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.

ولجأ بشكل متزايد إلى الأساليب الهمجية ، بما في ذلك أحكام الإعدام والإعدام العلني والمحاكمات الصورية والتعذيب ، لإرهاب الشعب الإيراني وصد التظاهرات الحاشدة التي اندلعت بعد وفاة شابة كردية رهن الاحتجاز في منتصف أيلول / سبتمبر ،هي مهسا اميني. ويُعد مصدر خوف النظام الأكبر إنه في ظل ظروف الفقر المتزايد باستمرار وعدم المساواة الاجتماعية الآخذة في الاتساع ، فإن الطبقة العاملة سوف تتدفق على الساحة.

وتأتي الاحتجاجات الأخيرة في أعقاب إعدام الشابين محمد مهدي كرامي وسيد محمد حسيني خلال عطلة نهاية الأسبوع بتهمة قتل أحد عناصر قوة الباسيج في كرج في نوفمبر الماضي خلال الاحتجاجات التي عمّت أرجاء البلاد. نفى الرجلان الاتهامات وقالا إنهما تعرضا للتعذيب وحُرما من الاتصال بمحاميهما. وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنهما كانا ضحيتي 'محاكمات جائرة على أساس الاعترافات القسرية'.

أماالولايات المتحدة وحلفاؤها ، الذين ظلوا صامتين في وجه الإعدامات الجماعية التي ارتكبتها حليفتهم الهمجية المملكة العربية السعودية ، فلم يضيعوا أي وقت في انتقاد الجمهورية الإسلامية.

إذا أضفنا ما حدث إلى إعدامات الشهر الماضي لشابين بلغا من العمر 23 عاماً ، هما محسن شكاري وماجيد رضا رهنورد ، بعد محاكمات صورية مماثلة ، فإن إعدام يوم السبت رفع إجمالي عدد المتظاهرين المناهضين للحكومة الذين تم إعدامهم حتى الآن إلى أربعة. وقد حُكم على ما لا يقل عن 17 شخص آخر بالإعدام ، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، من بينهم طبيب وبطل في كمال الأجسام ومغني راب وحلاق ، بسبب جرائم مزعومة تتراوح بين حرق سلة المهملات وقتل قوات الأمن.

ووفق وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (HRANA) ، قُتل حتى الآن في الاضطرابات  ما لا يقل عن 519 متظاهراً و 68 عنصر أمن .وتقدر الحكومة العدد بما يزيد قليلاً عن 300 قتيل. وتقول حركة حقوق الإنسان إنه تم اعتقال 19290 متظاهراً آخرين ، من بينهم 111 متهماً بارتكاب جرائم يُعاقب عليها بالإعدام.

كما استهدفت السلطات الإيرانية شخصيات معروفة ، بما في ذلك صناع أفلام ومحامون وممثلون ورياضيون ونشطاء بالإضافة إلى 84 صحفياً بسسب تعبيرهم عن دعمهم للمتظاهرين ، وسجنت بعضهم وفرضت قيود صارمة وحظر سفر على آخرين.

ومن بين المسجونين فائزة هاشمي ، المشرعة السابقة وابنة أكبر هاشمي رفسنجاني البالغة من العمر 60 عاماً ، ابنة الرئيس الراحل لفترتين والذي قاد لفترة طويلة فصيلاً من المؤسسة السياسية الدينية الشيعية للجمهورية الإسلامية المتشوقة للتقارب مع واشنطن و القوى الإمبريالية الأوروبية. 

وقالت محامية هاشمي ، نداء شمس ، إن الهاشمي اتُهمت بـ 'الدعاية' و 'التحريض على الاحتجاجات' وأعمال ضد النظام العام والأمن القومي ، وحُكم عليها بالسجن خمس سنوات. ولطالما كانت منتقدة صريحة للمرشد الأعلى علي خامنئي وفيلق الحرس الثوري الإسلامي. ففي مايو الماضي ، دعت الولايات المتحدة إلى إبقاء الحرس الثوري الإسلامي على قائمته الخاصة بالمنظمات الإرهابية الأجنبية ، مما دفع للمطالبة بمقاضاتها على الفور.

بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في مسقط رأس أميني ، في الشمال الغربي ذي الأغلبية الكردية ، تحت شعار 'المرأة ، الحياة والحرية' ، الذي روج له القوميون الأكراد. لكنها انتشرت بسرعة في جميع أنحاء البلاد ، لا سيما بين الشباب والطلاب في البلاد ، و غذاها الغضب من الامتيازات السياسية والرقابة الاجتماعية والفساد المستشري للنخبة الدينية ، وسوء إدارة الجائحة ، وارتفاع تكاليف المعيشة بعد أن وصل  التضخم إلى معدل 50 في المئة في العام، وانتشار البطالة ، لا سيما بين الشباب. ويعيش نحو 50 في المئة من سكان إيران البالغ عددهم 86 مليون نسمة تحت خط الفقر وفقاً للإحصاءات الحكومية. هذه هي حصيلة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على إيران بهدف تدمير اقتصادها ، من جهة ، ومن جهة أخرى ، ونتيجة تراجع النظام وإلغاء دعم الأسعار وإجراءات الرفاهية الاجتماعية الأخرى التي نفذت في أعقاب ثورة 1979 التي أطاحت بالديكتاتورية الدموية للشاه المدعوم من الولايات المتحدة.

نظم المعلمون وبعض العمال في المنشآت الصناعية الكبرى ، بما في ذلك أعمال الصلب في أصفهان ومصافي النفط في الخليج العربي ، إضرابات بالتزامن مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة ، في حين أغلق بعض التجار متاجرهم وشركاتهم في الأسواق استجابة لدعوات من أجل 'الإضرابات' المناهضة للحكومة.

ورغم أن الاحتجاجات ليست هي الأكبر التي شهدتها الجمهورية الإسلامية ، فقد استمرت لفترة أطول من موجة الاحتجاجات الجماهيرية التي هزت إيران في الأيام التي سبقت وتلت مباشرة العام الجديد 2018 ومرة ​​أخرى في نوفمبر 2019.

في السنوات الأخيرة ، كان هناك عدد لا يحصى من النضالات من قبل العمال وفقراء الريف ضد الخصخصة ، وانتشار عقود العمل غير المستقرة ، وعدم دفع الأجور ، والافتقار إلى الإجراءات الحكومية في مواجهة أزمة المياه المتزايدة في العديد من الجهات و المناطق الريفية.

ومع ذلك ، فإن الاحتجاجات، بسبب الهيمنة السياسية داخل حركة المعارضة للفئات الأكثر امتيازاً التي كانت متحالفة في السابق مع الجناح 'الإصلاحي' للنخبة الدينية في الجمهورية الإسلامية و / أو الموجهة للقوى الإمبريالية الغربية  لم يتم طرح أي مطالب أو برنامج اجتماعي يمكن أن يروق للطبقة العاملة. ونتيجة لذلك ، ظلت الحركة محصورة إلى حد كبير في الطلاب وغيرهم من الشباب.

و مع تراجع المشاركة الجماهيرية في الاحتجاجات في الأسابيع الأخيرة على حد سواء بسبب قمع الدولة وعدم وجود استراتيجية قابلة للتطبيق لمعارضة الإمبريالية والنظام القومي البرجوازي ، كثيراً ما أهدر استعداد الشباب للتضحية بالنفس في الاشتباكات بين مجموعات صغيرة من المتظاهرين وقوات الأمن.

كما شهدت العملة الإيرانية ، الريال ، انخفاضاً كبيراً منذ اندلاع الاحتجاجات في سبتمبر ، حيث انخفضت من 316.700 إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 440.000 مقابل الدولار الأمريكي في نهاية ديسمبر. في حين أدى ذلك إلى هجمات مريرة على السياسات الاقتصادية للرئيس إبراهيم رئيسي من قبل خصومه داخل النخبة السياسية ، فإن التداعيات كارثية حقاً على العمال الإيرانيين ، حيث أشار موقع فراز الإخباري إلى أن الحد الأدنى للأجور الشهرية في إيران قد انخفض من ما يعادل 251 دولاراً أمريكياً في مايو 2017،لما تم رفع معظم العقوبات بموجب الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، إلى ما يزيد قليلاً عن 90 دولاراً هذا الشهر.

إن جهود النظام لحشد الدعم من خلال احتفاله السنوي بـ 'العهد' المفترض بين الشعب الإيراني والوصي الأعلى للجمهورية الإسلامية ، آية الله خامنئي ، لم يؤد إلا إلى زيادة فضح تآكل الدعم الشعبي له. ففي 30 كانون الأول (ديسمبر) 2009 ، جمعت الحكومة حشداً جماهيرياً ، بما في ذلك ما سُمي بـ 'مسيرة المليون' ، ضد حركة المعارضة البرجوازية الخضراء المدعومة من الولايات المتحدة. وفي السنوات اللاحقة ، تميزت هذه المناسبة بعقد الاجتماعات والتجمعات. وفي هذا العام ، وعدت وسائل الإعلام الحكومية بأنه ستكون هناك تجمعات ضخمة مؤيدة للحكومة في جميع أنحاء البلاد في 30 ديسمبر ، ولكن دون جدوى.  تم، في أكثر الأحوال، عقد تجمعات صغيرة ، اعتقدت وسائل الإعلام أنه من الحكمة تجاهلها. جاء ذلك في تناقض واضح مع المسيرات والتجمعات الكبيرة التي نظمت في 4 نوفمبر ، ذكرى بدء احتلال السفارة الأمريكية في طهران عام 1979.

وبعيداً عن تقديم أي تنازلات للحركة الاحتجاجية ، وسط ما يُعد بلا شك أزمة اقتصادية وسياسية خطيرة ، أشار المرشد الأعلى خامنئي في خطاب متلفز يوم الاثنين إلى أن الجمهورية الإسلامية تعتزم الاستمرار في استخدام القمع الهمجي. وأعلن أن أولئك الذين 'أشعلوا النار في الأماكن العامة' ، 'ارتكبوا بلا شك جرم الخيانة'، وهي جريمة عقوبتها الإعدام.

وفي إشارة أخرى إلى نواياها الدموية ، عينت الحكومة الأسبوع الماضي أحمد رضا رادان لقيادة قوة الشرطة في البلاد. لعب رادان ، وهو ضابط سابق في الحرس الثوري الإسلامي ، دوراً هاماً في حملة قمع احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009 ، وفي عام 2014 ، واضُطر بسبب الاحتجاج على أساليبه الوحشية ، إلى التنحي عن منصب رفيع في الشرطة. و يُشتهر بتطبيقه الصارم لقواعد اللباس الإسلامي للمرأة في البلاد.

و قد أمر القضاء ، هذا الأسبوع ، الشرطة بـ 'معاقبة انتهاكات الحجاب بشدة' وطالب 'المحاكم بتوقيع عقوبات إضافية على المخالفين ، و تغريمهم ، وتطبيق عقوبات مثل النفي وحظر مزاولة مهن معينة وإغلاق أماكن العمل'. يأتي هذا بعد أسبوع فقط من ظهور خامنئي معلناً عن  استعداده لتخفيف القواعد ، قائلاً إن النساء ذوات الحجاب 'المتراخي' ما زلن 'أطفالنا' ولا ينبغي اعتبارهن معارضات للجمهورية الإسلامية.

تواجه الحكومة الإيرانية التي يسيطر عليها رجال الدين العدوان المستمر ومكائد الإمبريالية الأمريكية ، التي تستخدم العلاقات الاقتصادية والعسكرية المتزايدة بين طهران وموسكو في سياق الحرب التي أثارتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا ، لزيادة عزلة إيران. ومن المقرر أن يزور كل من مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنطوني بلينكين إسرائيل في وقت لاحق من هذا الشهر لمناقشة وضع إيران. وبحسب ما ورد قال بلينكين إن واشنطن تهدف إلى إشراك حلفائها الأوروبيين في خططه لتشديد العقوبات الاقتصادية التي تؤدي إلى إفقار الشعب الإيراني وتحرمه من الوصول إلى الإمدادات الطبية الحيوية.

Loading