العربية

التاريخ بوصفه دعاية: المثقفون والأزمة الأوكرانية

نشرت هذه المقالة لأول مرة باللغة الإنجليزية على موقع الويب الاشتراكي العالمي في 16 مايو 2014

سيجتمع مجموعة من الأكاديميين اليمينيين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان المؤيدين للحرب والمتخصصين في 'الخطاب' في كييف نهاية الأسبوع المقبل (16-19 مايو 2014). والغرض من الاجتماع  برئاسة البروفيسور تيموثي سنايدر من جامعة ييل وليون فيزلتيير ، المحرر الأدبي للمحافظين الجدد في The New Republic  هو إضفاء الاحترام السياسي والأخلاقي على النظام الأوكراني الذي وصل إلى السلطة في فبراير ، من خلال انقلاب بتمويل من الولايات المتحدة وألمانيا وإخراجهما.

قام المنظمون بالترويج لأنفسهم على أنهم 'مجموعة دولية من المثقفين' ، وأصدروا نشرة دعائية ، عفواً ، 'بيان'  وصف الاجتماع فيه بأنه 'لقاء بين أولئك الذين يهتمون بالحرية ودولة حيث الحرية غالية الثمن [1] '.  هناك بعض الحقيقة في هذا البيان ، حيث أن الإطاحة بحكومة يانوكوفيتش قد كلف الولايات المتحدة في الواقع قدراً كبيراً من المال.

الاجتماع هو تمرين في الدعاية الإمبريالية. وضم رعاة المؤتمر سفارات كندا وفرنسا وألمانيا وبولندا والولايات المتحدة. ومن بين الرعاة الآخرين وزارة الخارجية الأوكرانية ، والمؤسسة الأوروبية للديمقراطية ، ويوروزين. على موقع ويب يوروزين، الذي يروج بشدة لاجتماع كييف ، وهناك العديد من المنشورات المتعلقة بالآثار الجيوستراتيجية للانقلاب الأوكراني. ومن أبرز المقالات مثل 'كيف تكسب الحرب الباردة الثانية'. مؤلف المقال، فلاديسلاف إينوزيمتسيف ، هو حالياً زميل زائر في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.

في العقد السادس من القرن العشرين  ، كان المفكرون الذين شاركوا في المؤتمر المناهض للشيوعية للحرية الثقافية في الحرب الباردة منزعجين إلى حد ما عندما تم ربط عمليات تلك المنظمة علناً بآليات وكالة الاستخبارات المركزية. في تلك الأيام ، كان يُنظر إلى التعاون مع وكالة المخابرات المركزية ووكالات استخبارات الدولة الأخرى على أنه ضار بالسمعة الفكرية والأخلاقية للفرد. لكن الزمن تغير! لم يشعر المشاركون في مجلس كييف بالخجل مطلقاً من حقيقة أنهم جزء من حدث تم إقراره وإدارته على خشبة المسرح من قبل الحكومات التي شاركت بشكل كبير في الإطاحة بحكومة يانوكوفيتش.

كان التجمع بأكمله تمريناً على الاحتيال والازدواجية. وفر خطاب 'البيان' الديمقراطي غطاءً لوضع أجندة سياسية رجعية تماماً يجب فك كل عباراته.

أكد البيان أن الجمعية 'ستجري مناقشة عامة واسعة حول معنى التعددية الأوكرانية لمستقبل أوروبا وروسيا والعالم.' ما يعنيه هذا في الواقع ، حين فك تشفيره ، هو أن الجمعية ستدرس كيف يمكن للانقلاب الأوكراني أن يخدم  بوصفه نموذجاً لعمليات أخرى تهدف إلى تقويض نفوذ روسيا في أوروبا وأوراسيا.

أما المسائل الأخرى التي سيتم تناولها في الاجتماع فهي: 

  1. 'كيف يمكن إرساء قواعد حقوق الإنسان وكيف تحفزنا فكرة حقوق الإنسان؟' وحين تفكيك  الشفرة نجد أن الموضوع هو'كيف يمكن أن تقدم' نقاشات 'حقوق الإنسان ذريعة لزعزعة الاستقرار السياسي والإطاحة بالأنظمة المعادية؟'
  2. 'كيف ومتى توفر اللغة الوصول إلى العالمية ، وكيف ومتى تحدد الخلاف السياسي؟ ' أي  'كيف يمكن استخدام المصطلحات الديمقراطية للتعتيم على المصالح المادية الكامنة وراء الصراع الاجتماعي؟'
  3. 'كيف تكون الحشمة في السياسة ممكنة وسط الفوضى الدولية ، والفساد المحلي ، وقابلية الأفراد للخطأ بشكل عام؟' أي 'لماذا تبرر حقائق الجغرافيا السياسية المعاصرة تجاوز الحدود '، من خلال أفعال مثل استخدام التعذيب ، والاغتيالات المستهدفة ، والسلطوية ، والحرب ، وما إلى ذلك.[2]

سيسمح الخوض في هذه الأسئلة للمناقشين بإخراج قدر كبير من الإحتقان مع الحفاظ على إنفاق الطاقة الفكرية. لم تُدرج ضمن الموضوعات التي ستُثار أسئلة ناشئة عن أعمال القمع التي يمارسها نظام كييف ضد الناس في جنوب وشرق أوكرانيا ، والتي أسفرت عن وقوع عشرات ، إن لم يكن مئات ، من القتلى. كما لا يخطط المنظمون لفحص وشرح الدور البارز الذي لعبته القوات الفاشية الجديدة في سفوبودا إلى جانب المجموعات اليمينية  في انقلاب فبراير وتنظيم الحكومة الحالية.

أبرز المشاركين هم مجموعة تم جمعها على عجل من 'المشتبه بهم المعتادون' ، أي الأفراد الذين لديهم سجل راسخ في دعم التدخلات الإمبريالية تحت راية حقوق الإنسان الزائفة. إنهم متخصصون في التسويق الأخلاقي لسياسات الدولة ذات الشخصية الإجرامية. بشكل أو بآخر ، كان التذرع بـ 'حقوق الإنسان' بمثابة وسيلة لإضفاء الشرعية على الإمبريالية. حتى ملك بلجيكا ليوبولد ، لما قتل الملايين في الكونغو في العقد الثامن من القرن التاسع عشر ، ادعى أنه تصرف نيابة عن 'التجديد الأخلاقي والمادي' لضحاياه العاجزين. ومنذ أكثر من قرن مضى ، لفت جون هوبسون ، أحد أوائل علماء الإمبريالية ، الانتباه إلى الدور الخبيث الذي لعبه الاستخدام المنافق للادعاءات الأخلاقية لإخفاء الدوافع الحقيقية الكامنة وراء السياسة الإمبريالية حيث كتب:

في هذا التزييف لحقيقة الدوافع تكمن، بالتحديد، الرذيلة الكبرى وأكبر خطر للإمبريالية. فلما يتم اختيار أدنى  فعالية تتعلق بـ 'حقوق الإنسان' و / أو 'الديمقراطية' ، من بين مجموعة متنوعة من الدوافع المختلطة ، لإبرازها على الجمهور لأنها الأكثر تأثيراً، ولما تغيب  قضايا السياسة بشكل مطلق عن أذهان أولئك الذين شكلوا هذه السياسة ليتم التعامل معها على أنهم أسباب رئيسية ، فإن العملة الأخلاقية للأمة متدنية. إن كل سياسة الإمبريالية تتخللها هذه الخدع [3].

ومن بين المشاركين ليون فيسلتير ، الذي عمل عضواً بارز في لجنة تحرير العراق وهو وثيق الصلة بمشروع القرن الأمريكي الجديد.في حين  دعا بول بيرمان ، المنظر السياسي الليبرالي ، الولايات المتحدة لقصف صربيا (لدعم انفصال كوسوفو) ، وفي أعقاب 11 سبتمبر ، سعى إلى تبرير الحروب الأمريكية في شرق ووسط آسيا بوصفه نضالاً ضد الفاشية الإسلامية. أما محاضرة بيرمان المسائية يوم الأحد ، فكانت بعنوان ألكسي توكفيل وفكرة الديمقراطية  ، فتلفت دون شك  نظر الفاشي أوليه تيانيبوك  وأتباعه في حزب سفوبودا.

سيحضر برنارد كوشنير المرتبط  منذ عدة عقود بمنظمة أطباء بلا حدود ، انفصل كوشنير عن هذه المنظمة بسبب القضايا التكتيكية وشكل منظمة أطباء العالم للدعوة إلى برنامج أكثر قوة 'للتدخل الإنساني'. هذه المنصة ، كما توقع هوبسون ، أقرت ذرائع لا حصر لها للتدخل العسكري في دولة أو أخرى. شجع كوشنير التدخل في البلقانةو في النهاية أصبح وزيرا للخارجية في حكومة الرئيس الفرنسي ساركوزي. وفي عام 2011 ، بعد تركه الحكومة ، أيد هجوم ساركوزي على ليبيا ، وكذلك الغزو الفرنسي لساحل العاج. هذا الرجعي السياسي والمدافع عن الإمبريالية الفرنسية سيشارك في حلقة نقاش حول مسألة : 'هل تحتاج أوروبا [ثورة] أوكرانية؟'

ومن المقرر أن يلقي زميل كوشنير ، الفيلسوف الشهير برنارد هنري ليفي ، وهو مؤيد آخر للتدخلات الإنسانية ، خطاباً يدين فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. عنوانه 'الصعود المقاوم لدارتورو بوتين'. إساءة استخدام السنة الثانية لعنوان القصة الرمزية المسرحية الخطيرة لبيرتهولد بريشت صعود أرتوروأوي الذي يمكن مقاومته هي سمة من سمات عمل ليفي. يستطيع ليفي أن يدين بوتين دون خوف من الانتقام. سوف يتطلب الأمر على أي حال قدراً أكبر من الشجاعة ، أكثر مما يمتلكه ليفي  للتنديد بجرائم أوباما. كان عمل بريشت نوعاً من هجاء لصعود هتلر إلى السلطة.  وضع بريخت قصته الرمزية في شيكاغو ، بشكل لافت للنطر ، حيث رسم أوجه الشبه بين عمليات العالم السفلي الإجرامي في بيئة رأسمالية وأعمال الحزب النازي. ومن بين أكثر العبارات التي تقشعر لها الأبدان ، التي كان من المفترض أن تلقى صدى لدى الجمهور الأمريكي: 'لا تفرحوا بهزيمته أيها الرجال، لأنه على الرغم من أن العالم قد وقف وأوقف الوغد، إلا أن العاهرة التي ولدته صارت مستعدة  مرة أخرى '. اكتسب تحذير بريشت العجوز  راهنية جديدة من حيث التوقي.

أصبحت سمعة ليفي في فرنسا كمفكر عام في حالة يرثى لها حيث نشر عام 2010 ، مقالاً هاجم فيه كانط والتنوير. استند هذا الخطاب اللاذع ضد كانط إلى أعمال 'جان بابتيست بوتول' ، الفيلسوف الذي لفت انتباه ليفي عمله. لسوء الحظ ، تغاضى ليفي عن حقيقة أن بوتول ونظامه الفكري كانا إبداعاً خيالياً تماماً للصحفي الفرنسي فريديريك باجيس وصار الآن موضع سخرية ، لخص ذكاء غاليك فلسفة ليفي المغلفة بشكل مثير للإعجاب من خلال عبارة: مات الله ولكن شعري مثالي. فبالنسبة لأولئك الذين يرغبون في تعلم كل ما يحتاجون إلى معرفته عن فكرة برنار ليفي  ، كما هو معروف على نطاق واسع ، يمكن العثور على ملخص شامل له من جملتين  في موسوعة ويكيبيديا.

بلاد الدماء للبروفيسور سنايدر

في حين  مثل ليفي الجانب الكوميدي إلى حد ما من الإجراءات ، فإن حضور الأستاذ تيموتي سنايدر قدم شخصية أكثر قتامة. إن صعوده السريع والمذهل إلى الصدارة العامة مرتبط تماماً بجهوده التي لا تلين لتقديم تبرير علمي ظاهري لمحاولات الولايات المتحدة لجر أوكرانيا إلى مجال نفوذها ، ووصم روسيا بوصفها العدو اللدود للتطلعات الديمقراطية الإنسانية التي دافعت عنها الولايات المتحدة واوروبا  وفقاً لسنايدر.

الكتاب الذي أطلق سنايدر إلى طبقة الستراتوسفير بين  المشاهير الأكاديميين حمل عنوان بلاد الدماء: أوروبا بين هتلر وستالين. نُشر الكتاب في أواخر عام 2010 ، وحظي بالترحيب في وسائل الإعلام الشعبية باعتباره عمل مميز. كانت هناك مراجعات في عدد لا يحصى من الصحف ، حيث تم الترحيب بسنايدر كما لو كان ثوسيديديس متقمصاً. ويبدو أن سنايدر استمتع بالاهتمام. ففي طبعة الغلاف الورقي لعام 2012 من كتابه ، خصصت الصفحات الأربع عشرة الأولى بالكامل لاقتباس مقتطفات من المراجعات التي أشادت به.

لماذا كل هذا العناء؟ ظهر كتاب سنايدر في أعقاب الثورة البرتقالية 2004-2005 في أوكرانيا ، التي نتج عنها ، بعد احتجاجات حاشدة على مزاعم  بتزوير الأصوات من قبل أنصار فيكتور يانوكوفيتش وصول فيكتور يوشينكو المدعوم من الولايات المتحدة إلى الرئاسة الأوكرانية. وبهدف تعزيز قبضته على السلطة ، سعى يوشينكو لمخاطبة الشوفينية الأوكرانية اليمينية. كان أحد العناصر الرئيسية في هذه الحملة ، التي صممت لإثارة المشاعر المعادية لروسيا ، هو تقديم التجميع السوفيتي في العقد الثالث من  القرن الماضي ، بوصفه مسؤلاً عن  مجاعة كارثية ووفاة ما يقرب من 3.5 مليون شخص ، بوصفه مكافئاً للإبادة المنهجية ليهود أوروبا من قبل النازيين. وزعم أن الموت جوعاً كان شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية التي خطط لها ونفذها الاتحاد السوفيتي ضد الأوكرانيين ، تماماً كما كان الهولوكوست بمثابة القتل الجماعي المتعمد لليهود.

كان رفع المجاعة إلى رمز لإيذاء أوكرانيا من قبل الاتحاد السوفيتي (وروسيا) مثيراً للفتن سياسياً ، وبالتالي كان مفيداً للغاية.إن  معادلة المجاعة الأوكرانية بالهولوكوست وهما حدثان مختلفان للغاية ، زودت اليمين الأوكراني بأسطورة قوية ، ومنح الإمبريالية الأمريكية رواية دعائية يمكن استخدامها لتحريض المشاعر المعادية لروسيا.

تم التصويت على إقالة يوشينكو ة من منصبه في عام 2010. في أحد أعماله الأخيرة ، أعلن أن ستيبان بانديرا (1909-1959) - القومي الأوكراني سيئ السمعة والفاشي الذي تعاون مع الرايخ الثالث وشارك في القتل الجماعي لليهود و البولنديون هو 'بطل أوكرانيا'. أثار هذا احتجاجات واسعة النطاق ، بما في ذلك من أكبر حاخامات أوكرانيا. الغريب أنه في ضوء كتاباته اللاحقة ، كان تيموثي سنايدر من بين أولئك الذين قدموا احتجاجاً. ففي مقال نُشر في عدد 24 فبراير 2010 من مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس ، شكك في تصرف يوشينكو. قدم سنايدر ملخصاً موجزاً لجرائم بانديرا ومنظمة القوميين الأوكرانيين التي ترأسها:

في عام 1939 دمر الألمان بولندا وأمل القوميون الأوكرانيون بتدمير الاتحاد السوفييتي وحاولوا ذلك عام 1941 لما غزا الجيش النازي الاتحاد السوفيتي في يونيو من ذلك العام ، فانضمت إليهم جيوش المجر ورومانيا وإيطاليا وسلوفاكيا ، بالإضافة إلى مجموعات صغيرة من المتطوعين الأوكرانيين المرتبطين بالحكومة. ساعد بعض هؤلاء القوميين الأوكرانيين الألمان على تنظيم مذابح قاتلة لليهود. فمن خلال القيام بذلك ، كانوا يطورون سياسة ألمانية ، لكنها سياسة تتفق مع برنامجهم الخاص للنقاء العرقي ، ومماهاتهم  لليهود مع الطغيان السوفيتي. [4]

وصف سنايدر تصرفات جيش المتمردين الأوكرانيين  ، الذي عمل تحت قيادة المجموعة القومية الأوكرانية:

تحت قيادة المنظمة القومية الأوكرانية ، تعهد الجيش الوطني الأوكراني بتطهير غرب أوكرانيا عرقياً من البولنديين في عامي 1943 و 1944. قتل أنصار الجيش الوطني الأوكراني  عشرات الآلاف من البولنديين ، معظمهم من النساء والأطفال. كما قُتل بعض اليهود الذين لجأوا إلى عائلات بولندية. هرب البولنديون (وعدد قليل من اليهود الباقين على قيد الحياة) من الريف ، الذي سيطر عليه الجيش الوطني الأوكراني ، إلى المدن التي سيطر عليها الألمان. [5]

وفي أعقاب الاستسلام النازي ، واجه الاتحاد السوفيتي وبولندا (التي صارت تحت حكم حزب ستالين) مقاومة مستمرة من المنظمة القومية الأوكرانية التي تلقت دعماً من الولايات المتحدة. وقتل الآلاف خلال القتال الذي استمر حتى العقد الخامس من  القرن الماضي. أشار الاتحاد السوفيتي وبولندا إلى المنظمة القومية الأوكرانية باسم 'الفاشيين الألمان الأوكرانيين' ، وهو ما اعترف سنايدر بأنه 'وصف دقيق بما يكفي ليكون بمثابة دعاية دائمة وفعالة داخل وخارج الاتحاد السوفيتي'. أما بالنسبة لبانديرا ، فقد أشار سنايدر إلى أنه: 'ظل مخلصاً لفكرة أوكرانيا الفاشية حتى اغتيل على يد الشرطة السرية السوفيتية في عام 1959  [6] '.

وتعليقاً على العلاقة بين الاحتفال بانديرا والسياسة الأوكرانية ، كتب سنايدر:

هُزم يوشينكو هزيمة قوية في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ، ربما إلى حد ما لأن عدد الأوكرانيين الذين يتعاطفون مع الجيش الأحمر أكثر بكثير من أولئك الذين ينتمون إلى الثوار الوطنيين من غرب أوكرانيا. تم حرق دمية على شكل  بانديرا في أوديسا بعد أن تم تسميته بطلاً ؛ بل أن تمثاله في لفيف غرب أوكرانيا ، الذي أقامته سلطات المدينة في عام 2007 ، كان تحت الحراسة خلال الحملة الانتخابية [7].

في ختام مقالته التاريخية ، كتب سنايدر: 'في احتضانه لبانديرا عند مغادرته منصبه ، ألقى يوشينكو بظلاله على إرثه السياسي [8] '.

اختفت المنظمة القومية الأوكرانية

عندما نشر سنايدر هذا المقال في أوائل عام 2010 ، من الواضح أنه اعتبر أن بانديرا والمنظمة القومية الأوكرانية عنصران مهمان وخطيران ومثيران للقلق في التاريخ الأوكراني. ومع ذلك ، بحلول الوقت الذي نُشر فيه كتاب أرض الدماء في أكتوبر 2010 ، بعد ثمانية أشهر فقط ، خضع علاج سنايدر لهذا الموضوع لتغيير جذري. ففي كتابه المؤلف من 524 صفحة حظيت عمليات القوميين الأوكرانيين بإشارة سريعة. كما أن فهرس الكتاب لا يحتوي على اقتباس واحد عن شتيبان بانديرا أو المنظمة القومية الأوكرانية وخصص الكتاب بأكمله جملة واحدة فقط ، في الصفحة 326 ، عن الأنشطة المروعة للجيش الوطني الأوكراني ، بقيادة المنظمة القومية الأوكرانية.

خلال عام 2010 ، مع الاستعدادات النهائية لنشر بلاد الدماء ، قرر سنايدر تخليص الكتاب من الإشارات إلى جرائم القوميين الأوكرانيين. ولم تثر أي من الحقائق والقضايا المتعلقة بالفاشية الأوكرانية التي أثارها سنايدر في مقالته في فبراير 2010 في مراجعته لكتاب بلاد لدماء في صحيفة في نيويورك.

في شكلها المنشور كان  تمريناً في التحريف التاريخي اليميني. إنه تأييد لسرد المذابح القومية الأوكرانية ، حيث تم تقديم الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية على أنهما متعادلين سياسياً وأخلاقياً ، مع إشارة ضمنية قوية إلى أن الاتحاد السوفيتي كان أسوأ. لا يوجد فحص للأصول التاريخية ، والأسس الاجتماعية الاقتصادية ، والأهداف السياسية للنظامين. وتم ببساطة تجاهل القضايا التاريخية والسياسية المعقدة التي يجب معالجتها في أي دراسة جادة للتجمع. إن الكارثة التي نتجت عن التنفيذ المحسوس للتجميع 'موضحة' مع التأكيد على أن 'ستالين اختار قتل الملايين من الناس في أوكرانيا السوفيتية.[9]

على عكس وسائل الإعلام الشعبية ، كانت هناك مراجعات دامغة لكتاب سنايدر من قبل المؤرخين الجادين. أثارت جهوده لتقليل حجم الفظائع التي ارتكبها القوميون الأوكرانيون مخاوفاً. ولاحظ البروفيسور عمر بارتوف من جامعة براون:

المذابح الواسعة لليهود التي ارتكبها جيرانهم الأوكرانيون في جميع أنحاء شرق بولندا في ذلك الوقت [صيف 1941] لم تلق سوى القليل من الإهتمام. إن محاولات سنايدر لشرح سبب قيام الأوكرانيين بذبح جيرانهم اليهود ، أو انضمامهم إلى الشرطة التي سيطرت عليها ألمانيا ، أو التحاقهم بقوات الأمن الخاصة ، أو العمل عمالاً في معسكر الإبادة ، تبدو ضعيفة للغاية نظراً للعنف الذي ارتكبه هؤلاء الرجال. [10]

من جهته اعترض بارتوف على جهود سنايدر في مساواة عنف المقاومة السوفيتية بالعنف الذي استخدمه الغزاة النازيون.

من خلال المساواة بين الحزبين والمحتلين ، وبين الاحتلال السوفييتي والنازي ، وجرائم الجيش الأحمر والجيش النازي، والتهرب من العنف العرقي ، فإن  سنايدر يفرغ الحرب من الكثير من محتواها الأخلاقي ، ويتبنى عن غير قصد حجة المدافعين بأن كل شخص مجرم وبالتالي لا يمكن إلقاء اللوم على أحد. [11]

قدم المؤرخ مارك مازوار نقداً مدمراً لعمل سنايدر و كتب:

من المؤكد أنه يمكن للمرء أن يزيد من أهمية معاداة السامية في أوروبا الشرقية ، ولا يمكن انتقاد عدد قليل من العلماء لهذا السبب ، ولكن يمكن للمرء أيضاً أن يكسب القليل جداً ، و معاملة سنايدر هنا تنحرف في هذا الاتجاه. [12]

ففي ضوء التطور اللاحق لسنايدر ، من الصعب تفسير تهرب  كتاب بلاد الدماء من ذكر جرائم الحركة القومية الأوكرانية على أنها شيء آخر لا علاقة له بقرار ذي دوافع سياسية يتعلق بالعمليات السياسية للولايات المتحدة في أوكرانيا والمشاركة الشديدة المتزايدة لسنايدر في تنفيذها. برز سنايدر خلال الأشهر القليلة الماضية كواحد من أبرز المدافعين عن نظام كييف.و كانت أبرز سمات كتاباته وخطاباته هي العداء السام لروسيا وإنكار غاضب لأي تورط يميني راديكالي مهم في انقلاب فبراير وفي التشكيل السياسي لنظام كييف.

ففي دفاع حديث عن نظام كييف ، نُشر في صحيفة  New Republic Wieseltier’s ، غاص سنايدر إلى أعماق جديدة حيث قدم  روسيا ، وحتى الاتحاد السوفيتي ،بوصفهمانظامين فاشيين بالكامل. تم تجاهل الدور الرئيسي لسفوبودا والقطاع الصحيح في الحياة السياسية لأوكرانيا. زعم سنايدر أن المد المتصاعد للفاشية وجد تعبيراً عنه  في معارضة روسيا للنظام الأوكراني الجديد .

وفي مقطع غريب ، أعلن سنايدر: 'الفاشية تعني الاحتفال بالشكل الذكوري العاري ، الهوس بالمثلية الجنسية ، تجريم وتقليد في نفس الوقت. ... اليوم ، هذه الأفكار آخذة في الارتفاع في روسيا ... 'ولكن ماذا عن الوضع في أوكرانيا؟ ليس من الممكن أن سنايدر غير مدرك لعداء سفوبودا الخبيث للمثلية الجنسية ، وتعطيله لتجمع حقوق المثليين في عام 2012 ، والذي ندد به علناً باعتباره 'سبت 50 منحرفاً [13]'.

زور سنايدر التاريخ ليناسب أجندته السياسية. ناسياً ما كتبه قبل أربع سنوات ، يقول الآن: 'كان التعاون السياسي وانتفاضة القوميين الأوكرانيين ، بشكل عام ، عنصراً ثانوياً في تاريخ الاحتلال الألماني [14] '.

نحن  نواجه في عمل تيموثي سنايدر نزعة غير صحية وخطيرة وهي  محو التمييز بين كتابة التاريخ وصناعة الدعاية.

[1] Available: http:/www.eurozine.com/UserFiles/docs/Kyiv_2014/Programme_Public_EN.pdf

[2] Ibid.

[3] J.A.Hobson, Imperialism: A Study (Cambridge: Cambridge University Press, 2010), pp.209-210.

[4] Available: http://www.nybooks.com/blogs/nyrblog/2010/feb/24/a-fascist-hero-in-democracy-kiev/

[5] Ibid.

[6] Ibid.

[7] Ibid.

[8] Ibid.

[9]

أما في التحليلات العلمية الجادة لتأثير التجميع ، فلم يدر جدال حول ما إذا كانت سياسات ستالين مسؤولة عن وفاة أكثر من ثلاثة ملايين من الفلاحين الأوكرانيين. لقد كانت كذلك بلا شك ، ويجب الحكم على القرارات السياسية التي كانت لها عواقب وخيمة على أنها إجرامية. ومع ذلك ، فإن الادعاء بأن التجميع كان بمثابة خطة متعمدة لإبادة ملايين الفلاحين الأوكرانيين  بنفس المعنى الذي خطط به النظام النازي ونفذ الحل النهائي بهدف إبادة يهود أوروبا  لا تدعمه الأدلة التاريخية. تحدى مؤرخون بارزون في تاريخ أوروبا الوسطى والسوفياتية معادلة المجاعة الأوكرانية والمحرقة وتصنيف المجاعة على أنها إبادة جماعية. انتقد المؤرخ الكندي الأوكراني جون بول هيمكا مؤخراً عرضاً 'أسطورياً' للتجميع ، الذي ادعي أن 'ستالين أطلق العنان للمجاعة عمداً لقتل الأوكرانيين بشكل جماعي ومنعهم من تحقيق تطلعاتهم في إقامة دولة قومية'. وأوضح هيمكا أن 'الشرط المسبق للمجاعة كان الدافع المتهور للتجمع الجماعي ، الذي كاد يقضي على الزراعة السوفيتية ككل.'  وحذرهيمكا:

 تم استخدام حجة الإبادة الجماعية لدعم حملة تمجيد المقاومة المناهضة للشيوعية التي قام بها القوميون الأوكرانيون خلال الحرب العالمية الثانية. لا أعتقد أن الأوكرانيين الذين اعتنقوا تراث القوميين في زمن الحرب يجب أن يطالبوا العالم بالتعاطف مع ضحايا المجاعة إذا لم يكونوابدورهم  قادرين على التعاطف مع ضحايا القوميين وربط ذلك بتسرع  بالجرائم السوفيتية السابقة.

[John-Paul Himka, “Interventions: Challenging the Myths of Twentieth-Century Ukrainian History” in the Convolutions of Historical Politics, ed. Alexei Miller and Maria Lipman (Budapest and New York: Central European University Press, 2012), pp. 211-212].

[10] Omer Bartov, Slavic Review, Summer 2011, p.426.

[11] Ibid, p. 428.

[12] Mark Mazower, Contemporary European History, Volume 21, Issue 02, May 2012, p. 120.

[13] Available: http://en.wikipedia.org/wiki/Svoboda_9political_party)

[14] Available: http://newrepublic.com/article/117692/fascism-returns-ukraine

Loading