العربية

ملاحظة المحرقة التي قالها الرئيس الفلسطيني عباس ونفاق المؤسسة السياسية والإعلامية في ألمانيا

نُشرت هذه المقالة في الأصل باللغة الإنجليزية في 18 أغسطس/آب 2022

أثار تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تضمن مقارنة المذابح الإسرائيلية بحق الفلسطينيين بالمحرقة النازية عاصفة من السخط يصعب التغلب عليها بسبب كذبها في وسائل الإعلام الألمانية وبين السياسيين .

ففي مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الاتحادي أولاف شولتس يوم الثلاثاء ، سُئل عباس عما إذا كان ينوي الاعتذار لإسرائيل في الذكرى الخمسين للهجوم الإرهابي على الفريق الأولمبي الإسرائيلي في ميونيخ. لم يعط عباس إجابة مباشرة ، لكنه قال بعد ذلك إن 'إسرائيل ارتكبت 50 مجزرة في 50 مستوطنة فلسطينية منذ عام 1947 حتى يومنا هذا'. وأضاف: 'خمسون مجزرة ، 50 محرقة'.

كان شولز غاضباً بشكل واضح لكنه لم يرد. وانتهى المؤتمر الصحفي فور تصريح عباس. لاحقا ً، وبّخ المستشار الألماني ضيفه عبر موقع تويتر. وكتب شولتز: 'أشعر بالغضب الشديد من التصريحات غير المقبولة  للرئيس الفلسطيني محمود عباس'. 'بالنسبة لنا نحن الألمان على وجه الخصوص ، فإن أي محاولة للتقليل من أهمية المحرقة أمر غير مقبول ومرفوض وأنا أدين أي محاولة لإنكار جرائم الهولوكوست '.

وأكد عباس لوكالة الأنباء الفلسطينية وفا أنه ما أراد التشكيك في تفرد المحرقة خلال زيارته للمستشارية. وقال إن هذه أبشع جريمة في تاريخ البشرية الحديث، لكن أراد أن يلفت الانتباه إلى الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

ومع ذلك ، انطلق صراخ صم الآذان. قبل كل شيء ، تولى الديمقراطيون المسيحيون ، الذين ساعدوا العديد من النازيين رفيعي المستوى في العثور على وظائف جديدة بعد الحرب العالمية الثانية ، زمام المبادرة:

'حدث لا يصدق في المستشارية' (زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرز) ؛ 'التزام الصمت بعد هذه الزلة أمر لا يغتفر' (النائب عن الحزب  ماتياس هاور) ؛ 'أسوأ زلة سمعت في المستشارية' (زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي السابق أرمين لاشيت) ؛ يشتهر عباس بتصريحاته التي تقلل من شأن المحرقة    وهو يضفي الشرعية على الإرهاب الفلسطيني ويموله '(فولكر بيك ، الخضر) ؛ 'وصمة أخلاقية' (رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد).

ردت وسائل الإعلام على نحو مشابه: 'من المحتمل أن يكون أحد أكبر عمليات كسر المحرمات المحسوبة التي ارتكبها رئيس على الإطلاق في مستشارية برلين' (هيئة الإذاعة العامة ARD) ؛ 

ردت وسائل الإعلام بطريقة مماثلة: 'ربما تكون واحدة من أكبر الانتهاكات المحظورة المحسوبة التي قدمها رئيس على الإطلاق في مستشارية برلين' (ARD) ؛

.

'يجب على المستشار أن يعلن موقفه' (فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج) ؛ 'لقد كشف عباس أخيرًا عن نفسه كمحرض معاد للسامية' (أوغسبرغر ألغماين) ؛ 'عباس يضفي طابع نسبي على  الهولوكوست ... وشولز يظل صامتًا' (بيلد).

من الصعب التغلب على هذه السخرية. إذا كان صناع الرأي في ألمانيا يريدون حقاً محاربة تحقير الهولوكوست ومعاداة السامية ، فعليهم أن يبدأوا من منازلهم. منذ أن أعلنت الحكومة الألمانية صراحة هدفها المتمثل في أن تصبح قوة عسكرية عظمى مرة أخرى في عام 2014 ، تم التقليل بشكل منهجي من جرائم النظام النازي في ألمانيا.

درس كريستوف فاندرير ، رئيس حزب المساواة الاشتراكية (SGP) ، هذه القضية بالتفصيل في كتابه لعام 2018 لماذا عادوا؟ نحن نشجع قرائنا على دراسة هذا الكتاب ، الذي أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى.

حين أعلن مؤرخ برلين يورغ بابروفسكي في دير شبيجل في فبراير 2014 أن هتلر 'ليس مريض نفسياً' وأنه 'ليس شريراً' لأنه زُعم أنه لم يرغب 'التحدث عن إبادة اليهود على طاولته' ، قوبل بدعم من جامعة هومبولت و من قبل العديد من الزملاء الأكاديميين في جميع أنحاء ألمانيا ودافعوا عنه. لم تهاجم وسائل الإعلام بابروفسكي لكنها شجبت حزب المساواة الاشتراكية ، الذي اتهم بالتنمر لأن الحزب أدان استخفاف بابروفسكي بجرائم هتلر.

بذك بابروفسكي جهد اًلإعادة تأهيل إرنست نولته - 'تعرض نولته لظلم إذ كان محقاً من الناحية التاريخية' ولقيت جهوده  دعماً واسعاً في وسائل الإعلام وبين السياسيين. ففي عام 1986 ، حاول نولته تبرير النظام النازي ، مما أدى إلى إثارة نزاع بين المؤرخين ، حيث عارضه العديد من الأكاديميين المعروفين ، بما في ذلك يورغن هابرماس. الآن ،و وباستثناء حزب المساواة الاشتراكية والعديد من ممثلي الطلاب ، لم يعد هناك أي معارضة لنولته.

حتى عندما وضع بابروفسكي الهولوكوست على قدم المساواة مع عمليات الإعدام في الحرب الأهلية الروسية - 'لقد كانت في الأساس نفس الشيء: القتل الجماعي على نطاق صناعي' - لم يُعد هذا ، على عكس ملاحظة عباس ، تقليلاً من أهمية الهولوكوست.

أوضح عالم السياسة هيرفريد مونكلر ، زميل بابروفسكي في جامعة هومبولت ، صراحة في ذلك الوقت أن مثل هذا التقليل من الجرائم النازية كان ضروريا ً لاتباع سياسة خارجية عدوانية. وقال لصحيفة سود دويتشه تسايتونج: 'من الصعب اتباع سياسة مسؤولة في أوروبا إذا كانت لديك فكرة  إن كنا مسؤولين عن كل شيء'.

في هذا المناخ ، ازدهر البديل من أجل ألمانيا (AfD). إن تقليل أهمية النظام النازي من قبل حزب البديل من أجل ألمانيا أمر مشهور. فكر فقط في تعليق ألكسندر جولاند الذي قارن النظام النازي بـ 'هراء الطيور' وهجمات بيورن هوك على النصب التذكاري للهولوكوست. على الرغم من تبريراته للنازية ، إلا أن الحزب تلقى مجاملة سياسية، وروجته وسائل الإعلام وعُهد إليه بلجان برلمانية رائدة.

مع الحرب في أوكرانيا ، اتخذ التقليل من شأن الجرائم النازية أبعاداً جديدة إذ تتعاون الحكومة الألمانية الآن علانية مع القوى السياسية التي لا تقلل من شأن هذه الجرائم فحسب ، بل تمجدها.

على سبيل المثال ، عومل السفير الأوكراني أندريج ميلنيك ، الذي يقدس المتعاون النازي والقاتل الجماعي ستيبان بانديرا بوصفه 'بطلاً' ، منذ فترة طويلة كنجم من قبل وسائل الإعلام. حتى عندما اضطر السفير إلى ترك منصبه في برلين هذا الصيف لأنه نفى علانية مقتل مئات الآلاف من اليهود والبولنديين والروس على يد بانديرا ، فإن كبار السياسيين الألمان حزنوا على رحيله.

من المعروف أن تبجيل بانديرا ليس سمة شخصية لميلنيك بل هو إيديولوجية الدولة الأوكرانية الرسمية. يوجد الآن 40 نصباً تذكارياً  في البلاد لذلك المتعاون النازي ،المعجب بموسوليني ومعاداة السامية المتشددة في البلاد.  يقع أكبر تلك النصب  في لفيف ، وبلغ ارتفاعه سبعة أمتار (23 قدماً ويقف أمام قوس بلغ ارتفاعه 30 متراً (98 قدماً) في حين غطي النصب التذكاري في إيفانو فرانكيفسك مساحة تعادل ستة ملاعب كرة قدم.

يتم تجنيد وحدات النخبة في الجيش الأوكراني من النازيين الجدد المتعصبين مثل كتيبة آزوف ، التي تتواصل مع الفاشيين العنيفين في جميع أنحاء العالم.

لكن هذا لا يزعج السياسيين والكتّاب الغاضبين من معاداة عباس المزعومة للسامية. تستند معاييرهم الأخلاقية على مصالح السياسة الخارجية للإمبريالية الألمانية ، وهي مرنة في المقابل ، تبعاً لوضعك كحليف أو معارض.

في حين أن المقارنة بين حليف مع النازيين تُعد استهانة بالهولوكوست ومثالاً على معاداة السامية ، لكن تلك الجهات تقارن باستمرار، و دون أي قلق يعرب نفس الأشخاص ،عن آراء تربط المعارضين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهتلر . و تظهر تقارير من هذا النوع ر في وسائل الإعلام الألمانية بشكل شبه يومي. حتى إن المؤرخ الشهير هاينريش أوجست وينكلر كتب مقالاً في صحيفة 'دي تسايت' تحت عنوان 'ما الذي يربط بوتين بهتلر'.

الصراخ ضد عباس هو مناورة مُضللة موجهة ضد المعارضة الشعبية المتزايدة للنزعة العسكرية الألمانية والحرب في أوكرانيا. وقد أصبح من الواضح كل يوم أن الولايات المتحدة وألمانيا وحلف شمال الأطلسي تشن حرباً بالوكالة في أوكرانيا ضد روسيا ، يتم خوضها على أكتاف الشعب الأوكراني.

يقوم الناتو بتدريب الجنود ، وإمدادهم بالأسلحة ، واختيار الأهداف ،منذ فترة طويلة في الموقع مع المتخصصين التابعين له.  لا يتمثل الهدف بإقامة  أوكرانيا ديمقراطية ولكن بإخضاع روسيا وتقطيع أوصالها ، وهي  التي تمتلك بعضاً من أكثر الموارد قيمة في العالم و يجب القضاء عليها كحليف محتمل للصين.

يلعب عباس ممثل البرجوازية العربية الفلسطينية  دور حارس سجن إسرائيل وحلفائها الإمبرياليين في الضفةالغربية.  و ترسل سلطته الفلسطينية الفاسدة ، التي يمولها الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير ، شرطتها ضد الشباب المتمردين وهي مكروهة للغاية من قبل السكان لدرجة أن عباس أجّل مراراً الانتخابات البرلمانية طوال 16 عاماً.

إذا صب الشاب، البالغ من العمر 87 عاماً، غضبه أحياناً ، فذلك لأنه لا يتلقى أي شكر من إسرائيل على خدماته إذ توقفت المفاوضات بشأن حل الدولتين الموعود منذ عام 2014. وكلما سجد عباس أمام الحكومة الإسرائيلية ، ازدادت همجية أعمالها ضد الشعب الفلسطيني ، في انتهاك لقوانين الأمم المتحدة والقانون الدولي.

تعمل الحكومة الإسرائيلية نفسها بلا ضمير مع قوى اليمين المتطرف وحتى مع القوى المعادية للسامية في جميع أنحاء العالم. ففي عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، زار العديد من السياسيين اليمينيين والقوميين نصب ياد فاشيم التذكاري للهولوكوست الذي أطلق عليه لقب 'الغسالة'.

من بين السياسيين الذين تم غسلهم بهذه الطريقة ليس فقط الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ، ولكن أيضاً رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ؛ و ماتيو سالفيني ، رئيس حزب ليجا الإيطالي اليميني المتطرف ؛ و الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي ، الذي قارن نفسه بهتلر ؛ والعديد من الأشخاص الآخرين.

لطالما وُجه الاتهام بمعاداة السامية ضد كل من ينتقد السياسة الهمجية وغير القانونية تجاه الفلسطينيين من قبل حكومة إسرائيل ، المتحالفة سياسياً وعسكرياً بشكل وثيق مع ألمانيا. كما أنها تستخدم لترهيب معارضي النزعة العسكرية الألمانية.

Loading