العربية
Perspective

أوقفوا الحرب في أوكرانيا!

نُشرت هذه المقالة في الأصل باللغة الإنجليزية في 3 أكتوبر 2022

منذ أكتوبر 1962 ، أثناء أزمة الصواريخ الكوبية ، ما اقترب العالم من الحرب النووية كما هو الحال اليوم.

ليس من الضروري تمجيد الزعيم الستاليني نيكيتا خروتشوف ، ناهيك عن الرئيس الإمبريالي للولايات المتحدة ، جون ف.كينيدي ، لإدراكنا أنه ثمة فرقاً صارخاً بين رد الفعل على تلك الأزمة والموقف من الأزمة التي تجتاح العالم اليوم.

ففي كتاب نُشر مؤخراً عن أزمة الصواريخ الكوبية ، تحت عنوان 'الحماقة النووية' ، كتب المؤرخ سيرهي بلوخي أنه على الرغم من الحسابات الخاطئة الهائلة وسوء التقدير من كلا الجانبين ، 'لم تتطور الأزمة إلى حرب إطلاق نار لأن كينيدي وخروتشوف خشيا الأسلحة النووية وخافا بشدة من فكرة استخدامها في حد ذاتها '.

وأضاف بلوخي أن كينيدي وخروتشوف 'لم يقعا في الفخاخ التي صنعها ببراعة لأنهما لم يعتقدا أنهما يمكنهما الفوز في حرب نووية ، ولم يكونا مستعدين لدفع ثمن هذا النصر. من الصعب أن نتخيل ما كان يمكن أن تكون عليه نتيجة الأزمة الكوبية لو كان للزعيمين موقف أكثر تعجرفاً تجاه استخدام الأسلحة النووية '.

ففي خضم أزمة نووية عالمية جديدة ، يبدو أن الولايات المتحدة / الناتو وروسيا تتقدمان بطريقة تهدف إلى إظهار ما ستكون عليه هذه النتيجة التي لا يمكن تصورها في الواقع. هناك لامبالاة مذهلة صاعقة بشأن عواقب الحرب النووية.

فبعد أن غزا أوكرانيا انطلاقاً من افتراض ساذج ويائس أنه يمكن أن يجبر 'شركائه' الغربيين على التفاوض ، يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفشل الذريع لاستراتيجيته المفلسة والرجعية في أوكرانيا. عانى الجيش الروسي من سلسلة من الهزائم في الأسابيع الأخيرة ، بما في ذلك الهزيمة في خاركيف التي أعقبها مزيد من التقدم للجيش الأوكراني في الأراضي التي تدعي روسيا الآن إنها ملكها.

لقد تم دفع روسيا من قبل الولايات المتحدة إلى حرب لم تكن مستعدة لها على الإطلاق ، مما قلل من أهمية أجندة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ففي أعقاب الهزائم المهينة ومواجهة الأزمة الداخلية والاتهامات المتبادلة داخل الأوليغارشية الروسية ، يرد نظام بوتين بتهديدات لا لبس فيها باستخدام الأسلحة النووية.

من ناحية أخرى ، فإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ، المصممين على استثمار أفضليتهما  في السعي لتحقيق أهدافهما الجيوسياسية العالمية ، وأدليا بتصريحات مفادها أن التهديد بالحرب النووية لن يردعهما.

هناك نقاش مفتوح حول إمكانية نشوب حرب نووية في الصحف الأمريكية وفي البرامج التلفزيونية إذ كتبت صحيفة نيويورك تايمز يوم الأحد: 'يتلاعب المسؤولون في واشنطن بسيناريوهات تتعلق في حال قرر الرئيس فلاديمير بوتين استخدام سلاح نووي تكتيكي للتعويض عن إخفاقات القوات الروسية في أوكرانيا ... اقترحت مجموعة من المسؤولين أنه في حال فجرت روسيا سلاح نووي تكتيكي على الأراضي الأوكرانية ، فمن الوارد أن تتضمن الخيارات ... نوعاً من الرد العسكري '.

ورداً على سؤال من برنامج 'واجه الأمة' على قناة ABC عما ستفعله الولايات المتحدة إذا استخدمت روسيا سلاحاً نووياً ، أجاب المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية ، ديفيد بترايوس ، 'سنرد من خلال قيادة حلف شمال الأطلسي ، وهو جهد جماعي ، من شأنه القضاء على كل قوة تقليدية روسية يمكننا أن نحددها في ساحة المعركة في أوكرانيا وكذلك في شبه جزيرة القرم وكل سفينة في البحر الأسود '.

يبدو أن الجنرال بترايوس ، الذي قاد القوات الأمريكية في أعمال الإبادة الجماعية في العراق وأفغانستان ، يعتقد أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يمكنهما القضاء على القوات العسكرية الروسية ، مما يتسبب في مقتل مئات الآلاف ، دون التعرض لانتقام. يجب أن يكون المرء مجنون حتى لا يفهم أن مثل هذا الهجوم من قبل الناتو على القوات العسكرية الروسية من شأنه أن يثير رداً نووياً حرارياً من قبل الكرملين من شأنه أن يؤدي إلى تدمير كامل ، مع خسائر مروعة في الأرواح ، لكل عاصمة كبرى في أوروبا الغربية و أمريكا الشمالية.

تم تلخيص مستوى التهور من قبل مسؤول أوروبي لم تذكر اسمه نقلته صحيفة واشنطن بوست في مقال بعنوان 'إن عملية ضم المناطق من قبل روسيا وضع العالم على بعد خطوتين أو ثلاث خطوات 'من الحرب النووية'إذ 'لا أحد يعرف ما الذي سيقرر بوتين فعله. لكنه في مأزق تماما ، إنه مجنون ... وبالنسبة له لا يوجد مخرج. المخرج الوحيد له هو النصر التام أو الهزيمة الكاملة ونحن نعمل على الخيار الأخير. نحن بحاجة إلى انتصار أوكرانيا ، ولذا فإننا نعمل على منع أسوأ السيناريوهات من خلال مساعدة أوكرانيا على النصر '.

هل فكر أشباه الدكتور سترانغلوف  (إشارة إلى فيلم تناول موضوع اللجوء إلى الخيار النوي) الذين يدلون بهذه التصريحات من خلال تداعيات سياساتهم الخاصة؟ إنهم يصرون على أنه ،  يجب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي اتباع مسار يؤدي إلى 'الهزيمة الكاملة' لروسيا مهما كانت العواقب. بعيداً عن منع 'السيناريو الأسوأ' ، فإن كلماتهم وأفعالهم تغذي النار التي تؤدي إلى نتيجة 'أسوأ حالات '.  عند حافة الهاوية ، يتمثل  موقف القوى الإمبريالية بجملة 'إلى الأمام حتى النصر الكامل'.

كما هو الحال دائماً ، فإن دعاة الحرب الإمبرياليين الذين ينددون بتهديدات بوتين باستخدام الأسلحة النووية بوصفه خرق غير مسبوق لأخلاق القوة العظمى يتناسون بشكل مذهل أفعالهم السابقة. لكن من الحقائق التاريخية أن الولايات المتحدة لم تستخدم الأسلحة النووية فقط (ضد السكان العزل في هيروشيما وناغازاكي) ، ولكنها اقتربت مع قوى إمبريالية أخرى من استخدام الأسلحة النووية عندما هددتها الهزيمة العسكرية.

ففي عام 1950 ، سعى الجنرال دوغلاس ماك آرثر للحصول على إذن لاستخدام ما يصل إلى 30 قنبلة ذرية ضد القوات الصينية التي عبرت الحدود إلى كوريا. في عام 1954 ، ناشدت فرنسا الرئيس الأمريكي أيزنهاور استخدام القنابل النووية لإنقاذ قواتها المحاصرة في ديان بيان فو. وفي عام 1962 ، هدد كينيدي نفسه باستخدام الأسلحة النووية خلال أزمة الصواريخ الكوبية. أما في عام 1973 حين واجهت إسرائيل الهزيمة في الأيام الأولى من حرب يوم الغفران ، فاقتربت من استخدام الأسلحة النووية ضد مصر.

قد يصف اليأس والتهور الحالة المزاجية السائدة في واشنطن وموسكو ، لكنه لا يحدد مصدرها إذ يجب إيجاد تفسير سياسي لهذا السلوك.

ولد يأس نظام بوتين من حقيقة أنه يواجه عواقب تفكك الاتحاد السوفيتي ، الذي كان خيانة تاريخية أدت إلى جميع الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية اللاحقة. فمن خلال تفكيك الاتحاد السوفيتي ، خدعت البيروقراطية الستالينية نفسها بالاعتقاد بأن تحليل لينين للإمبريالية ليس أكثر من أسطورة ماركسية ولكن ثبتت صحة هذه 'الأسطورة'. فبعد ثلاثين عام من انهيار الاتحاد السوفيتي ، تواجه روسيا حرباً من قبل القوى الإمبريالية بهدف تفكيكها.

على الرغم من الكوارث التي أحدثها غزو العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا ، تعتقد الطبقة الحاكمة الأمريكية أنه من خلال الحرب يمكنها بطريقة ما أن تمنع نمو معارضة الطبقة العاملة التي تطاردها.

وسط كل هذا ، لا يوجد بيان صريح للآثار المترتبة على العواقب المحتملة للحرب النووية. يتحدث السياسيون والعسكريون رفيعو المستوى ووسائل الإعلام بلا مبالاة عن حدث يمكن أن يؤدي إلى إبادة مئات الملايين بل المليارات من الناس.

ما الذي يفسر الاختلاف بين الرد على أزمة الصواريخ الكوبية والوضع اليوم؟ ففي النهاية ، يمكن إرجاع حقيقة أن أزمة الصواريخ الكوبية لم تؤد إلى حرب نووية إلى طابع الفترة السياسية. ففي العقد السابع م القرن الماضي كانت الإمبريالية الأمريكية تمر بعصر الطفرة الرأسمالية التي أعقبت الحرب. كان الاتحاد السوفيتي ، الذي ضم سدس مساحة الأرض في العالم ، في وضع أقوى بما لا يقاس من الدولة الروسية اليائسة والمُحاصرة.

لا تقدم شوفينية بوتين القومية وكراهية الأجانب بديلاً عن الأزمة التي خلقتها الإمبريالية الأمريكية. إذ إن بوتين ، الذي يتحدث باسم الأوليغارشية الروسية الطفيلية ، يخشى الطبقة العاملة الروسية أكثر مما يخشى الولايات المتحدة والغرب. وقد مزجت استجابته للكارثة التي نجمت عن تفكك الاتحاد السوفيتي بين الظلامية القروسطية لروسيا القيصرية والسياسة الستالينية القومية المعادية للثورة.

لا يمكن الإيمان بعقلانية  الأوليغارشية الأمريكية أو الروسية. لقد كشف الوباء بالفعل عن اللامبالاة المطلقة بحياة الإنسان ، سواء من نظام الكرملين ، الذي قبل وفاة 400 ألف شخص في روسيا ، والطبقة الإمبريالية الحاكمة في الولايات المتحدة وأوروبا ، التي أدت سياسات 'مناعة القطيع' فيها إلى مقتل الملايين في جميع أنحاء العالم.

يجب مواجهة التصرفات الطائشة للحكومات التي تقود العالم إلى كارثة بحركة عالمية جماهيرية مناهضة للحرب من قبل الطبقة العاملة والشباب.

يجب أن تطالب الطبقة العاملة بالوقف الفوري لهذه الحرب الرجعية. و من الضروري توحيد نضال العمال للدفاع عن حقوقهم الاجتماعية والديمقراطية مع النضال ضد الحرب.

يجب أن يقوم بناء حركة جديدة مناهضة للحرب على أساس منظور الاشتراكية الدولية ، ورفض جميع أشكال القومية وكراهية الأجانب والنضال من أجل وحدة العمال في كل بلد.

Loading