العربية
Perspective

الطريق للمضي قُدُماً في المعركة ضد الإبادة الجماعية في غزة

في نهاية هذا الأسبوع، شارك ملايين الأشخاص في مدن حول العالم في أكبر مظاهرات حاشدة حتى الآن ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والتي نُفذت بتواطؤ مع القوى الإمبريالية.

هذه المظاهرات العالمية تاريخية. فعلى الرغم من الدعم الكامل من حكومات محور الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتصرفات إسرائيل، وعلى الرغم من الافتراء المستمر والدعاية في وسائل الإعلام، وعلى الرغم من التهديدات والترهيب ضد أولئك الذين تحدثوا علناً، فقد اتخذ ملايين الأشخاص موقفاً ضد الإبادة الجماعية.

تمكن النازيون خلال الهولوكوست، من نقل ملايين اليهود إلى غرف الغاز دون أن يعلم العالم بذلك. ولكن الآن، تشهد جماهير من الناس، في جميع أنحاء العالم، إبادة جماعية في الوقت الحقيقي، من خلال تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، ويتم تحفيزهم على العمل.

ففي الولايات المتحدة، تظاهر 300 ألف شخص في واشنطن العاصمة، قمرة قيادة التخطيط الحربي الإمبريالي. وشارك عشرات الآلاف في الاحتجاجات في نيويورك وشيكاغو ولوس أنجلوس ومدن أخرى، بما في ذلك سان فرانسيسكو، حيث تظاهر أكثر من 10 آلاف شخص. وفي كندا، سار 40 ألف شخص من القنصلية الأمريكية في تورونتو إلى المجلس التشريعي الإقليمي.

وفي أعقاب مظاهرة شارك فيها 500 ألف شخص في لندن الأسبوع الماضي، دون الدعوة إلى مظاهرة وطنية، تظاهر ما يقرب من 50 ألف متظاهر من سكان لندن في ميدان الطرف الأغر في نهاية هذا الأسبوع. وتظاهر عشرات الآلاف في البلدات والمدن في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بما في ذلك ليفربول ومانشستر وبرمنغهام وغلاسكو و أدنبرة وكارديف وبلفاست.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة الألمانية لتجريم معارضة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، فقد خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد. وخرجت أكبر المظاهرات في برلين (أكثر من 20 ألف شخص) وفي دوسلدورف (30 ألف شخص). واحتج الآلاف أيضاً في مدن أخرى، مثل شتوتغارت وميونيخ وفرانكفورت.

وانضم العمال والشباب في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى المظاهرات. ففي إندونيسيا، تظاهر الملايين في جاكرتا، حيث قدرت بعض التقديرات على وسائل التواصل الاجتماعي عدد المشاركين بنحو مليوني شخص. وشارك عشرات الآلاف في الاحتجاجات في ماليزيا، بما في ذلك في ملعب كرة قدم مكتظ في تيرينجانو. وسار الآلاف في طوكيو باليابان وتظاهر المئات في سيئول بكوريا الجنوبية. وفي أستراليا ونيوزيلندا، انضم عشرات الآلاف إلى المسيرات في جميع المدن الكبرى، بما في ذلك سيدني وملبورن وبريسبين وأوكلاند.

ردت وسائل الإعلام الأمريكية على المظاهرات التي شارك فيها ملايين الأشخاص ببساطة بتجاهلها، أو بالكذب بشأن حجمها إذا شعرت أن ذلك مستحيل. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً مقتضباً، سرعان ما دفن على موقعها الإلكتروني، زعمت فيه أن 'عشرات الآلاف' شاركوا في المظاهرات في الولايات المتحدة، حتى عندما عرضت صورة للمظاهرة في العاصمة التي شارك فيها أكثر من ربع مليون شخص. إن وسائل الإعلام المملوكة للشركات ، التي تعكس اهتمامات الطبقة الحاكمة، تعارض وتخشى مشاعر الغالبية العظمى من سكان العالم.

تتصف المظاهرات ، في المقام الأول، بأهمية موضوعية. فهي  جزء من حركة متنامية ضد سياسات النخبة الرأسمالية الحاكمة. ومن الجدير بالذكر أنها تتطور كحركة عالمية تضم العمال والشباب من جميع الجنسيات والأعراق والأعمار والأجناس. و تدين أعداد متزايدة من المتظاهرين اليهود الكذبة التي تروّج لها إسرائيل ومؤيدوها الإمبرياليون، بأن حكومة نتنياهو تتصرف باسمهم.

ما يفكر فيه الجميع هو: ماذا بعد؟ كيف يجب تطوير الكفاح ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية؟

أولاً، يجب النظر إلى الإبادة الجماعية في غزة والدعم الذي تحظى به من جميع القوى الإمبريالية في محور الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في سياق الحرب العالمية المتصاعدة، بما في ذلك حرب الولايات المتحدة والناتو ضد روسيا في أوكرانيا والاستعدادات للحرب ضد روسيا و إيران والصين. تخوض القوى الإمبريالية حرباً ضد سكان العالم أجمع. إن ذبح الفلسطينيين يهدف إلى إرسال رسالة مفادها أنهم لن يتوقفوا عند أي شيء لتحقيق أهدافهم.

ثانياً، لا يوجد قسم في المؤسسة السياسية يعارض إعادة التقسيم الإمبريالي للعالم. وعبرت هتافات المتظاهرين في العاصمة مثل  'إنها إبادة جماعية جو' و'بايدن بايدن، لا يمكنك الاختباء، نحن نتهمك بالإبادة الجماعية' عن الاعتراف بأن حكومة نتنياهو لا يمكنها أن تفعل ما تفعله دون الدعم النشط من واشنطن وتنسيق إسرائيل مع إدارة بايدن.

لكن ليس بايدن فقط كفرد، ولكن الحزب الديمقراطي كأداة في أيدي الطبقة الحاكمة التي تقف مكشوفة  .كان العديد من الشباب المشاركين في المظاهرات سيدعمون في وقت ما ترشيح بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت الذي تظاهر بأنه يساري، بل وحتى 'اشتراكي'.

ومع ذلك، وفي عرض متعمد للازدراء للمظاهرات الحاشدة، ظهر ساندرز في برنامج حواري حول 'حالة الاتحاد' على قناة سي إن إن يوم الأحد ليعلن معارضته لوقف إطلاق النار. وقال ساندرز: 'لا أعرف كيف يمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع منظمة مثل حماس، التي تكرس نفسها للاضطرابات والفوضى'، مضيفاً أن 'حماس يجب أن ترحل'. ومن خلال دعم تصرفات إسرائيل، يقود ساندرز اتجاهاً سياسياً ينبغي أن يعرف باسم 'الاشتراكيين الديمقراطيين من أجل الإبادة الجماعية'.

وفي أشكال مختلفة، فضحت الإبادة الجماعية في غزة عن أنصار اليسار الزائف للرأسمالية والإمبريالية في كل بلد، والذين يمثلون القطاعات المميزة من الطبقة المتوسطة العليا.

ثالثاً، إن القاعدة الاجتماعية لمعارضة جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل والحرب الإمبريالية الأوسع التي تشكل جزءاً منها هي الطبقة العاملة، أي الغالبية العظمى من سكان العالم. لن يتم وقف الإبادة الجماعية من خلال مناشدات الدول الرأسمالية وأحزاب الطبقة الحاكمة، ولكن من خلال تعبئة تلك القوة الاجتماعية التي تنتج كل ثروات المجتمع.

إن دعوة النقابات العمالية الفلسطينية لاتخاذ إجراء صناعي لوقف شحن الأسلحة العسكرية إلى إسرائيل قد بدأت تلقى استجابة امن قبل العمال، بما في ذلك في بلجيكا وعمال الموانئ على الساحل الغربي للولايات المتحدة. ويجب توسيع هذا في جميع أنحاء العالم. ويجب أن تكون مرتبطة بتعبئة العمال في إضراب سياسي عام لوقف الإنتاج، والمطالبة بوقف فوري للحصار على غزة، وانسحاب القوات الإسرائيلية وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لجماهير الناس الذين يعانون من الجوع والذبح.

رابعاً، يجب أن يتبع تطور الحركة الجماهيرية للطبقة العاملة كحركة أممية ضد الرأسمالية ومن أجل الاشتراكية. إن التجويع المنهجي والقصف والطرد لأكثر من 2.3 مليون شخص في غزة هو نتاج ليس فقط للإجرام الهمجي لنظام نتنياهو ومؤيديه في محور الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ولكن بشكل أكثر جوهرية، للنظام الرأسمالي ككل.

خامسا، وهو الأهم، أي مسألة القيادة الثورية. ففي بيانه المنشور في بداية عام 2020، “يبدأ عقد الثورة الاشتراكية”، لفت موقع الاشتراكية العالمية الانتباه إلى اشتداد الأزمة الرأسمالية والنمو الهائل للمعارضة الاجتماعية في العقد السابق. ولاحظنا أن 'الجماهير، التي تراكمت خبرتها في سياق النضال، تمر بتغيير عميق في توجهاتها الاجتماعية والسياسية. وفي سياق هذه العملية الثورية سوف يتطور النضال من أجل الوعي الاشتراكي'.

ومنذ ذلك التصريح، شهد العالم وباءً عالمياً أودى بحياة أكثر من 20 مليون إنسان بسبب إخضاع الحياة البشرية للربح؛ ومحاولة الانقلاب الفاشي في الولايات المتحدة؛ واندلاع الحرب بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا والتي تهدد بالتطور إلى حرب عالمية نووية؛ والآن الإبادة الجماعية في غزة. وكلها تعبر عن الأزمة المتفاقمة للنظام الرأسمالي.

تعبر الاحتجاجات الجماهيرية في جميع أنحاء العالم عن الصدام المتطور بين النخب الرأسمالية الحاكمة والطبقة العاملة الدولية. إن تحويل هذه العملية الموضوعية إلى حركة واعية من أجل الاشتراكية يتطلب بناء قيادة سياسية هدفها الاستيلاء على السلطة من قبل الطبقة العاملة، والإطاحة بالرأسمالية والإمبريالية، وإقامة الاشتراكية على المستوى العالمي.

هذا هو المنظور الذي طرحته اللجنة الدولية للأممية الرابعة وأحزاب المساواة الاشتراكية التابعة لها في جميع أنحاء العالم.

للانضمام إلى حزب المساواة الاشتراكية أو لبناء واحد في بلدك، يرجى الاتصال بنا.

Loading