العربية
Perspective

مع استمرار الإبادة الجماعية في غزة، تستعد الولايات المتحدة لتصعيد كبير للحرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط

[AP Photo/Information Technician Second Class Ruskin Naval/U.S. Navy ]

في حين تستمر إسرائيل في ذبح المئات من سكان غزة كل يوم وتجويع جميع السكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، يسافر عدد من المسؤولين الأمريكيين إلى إسرائيل لتنسيق الدعم الأمريكي للإبادة الجماعية والتحضير لتصعيد عسكري في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ففي الأسبوع الماضي، سافر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى إسرائيل لعقد اجتماعات رفيعة المستوى مع مسؤولين إسرائيليين. وخلال الزيارة، أكد سوليفان دعم الولايات المتحدة المفتوح للهجوم الإسرائيلي ضد سكان غزة.

وأعلن سوليفان: 'سنواصل دعم إسرائيل في حملتها ضد حماس، لأننا نرى حماس بمثابة تهديد مستمر لدولة إسرائيل، وليس لإسرائيل الحق فحسب، بل من واجبها ملاحقة الحركة ، و والولايات المتحدة ستدعم إسرائيل في ذلك'.

وأكد سوليفان خلال زيارته أنه 'سيكون هناك انتقال إلى مرحلة أخرى من هذه الحرب، مرحلة تركز على طرق أكثر دقة لاستهداف القيادة وعلى العمليات التي تعتمد على الاستخبارات'. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن 'أربعة مسؤولين أمريكيين قالوا إن السيد بايدن يريد أن تتحول إسرائيل إلى تكتيكات أكثر دقة في غضون ثلاثة أسابيع تقريبًاً'.

وكثرت التصريحات المماثلة في الفترة التي سبقت الهجوم الإسرائيلي على جنوب غزة، الذي أصرت الولايات المتحدة على أنه سيؤدي إلى تراجع عدد المدنيين الذين تقتلهم  . لكن الهجوم على جنوب غزة كان أكثر همجية، إن كان ذلك ممكنًا على الإطلاق ، من المذابح في الشمال.

ففي الأيام الـ 71 التي تلت بدء الإبادة الجماعية، قُتل 18.787 من سكان غزة، أو 265 شخصاً يومياً كان  70 بالمئة منهم من النساء والأطفال. وبهذا المعدل، سيتم ذبح 5500 شخص آخرين، بما في ذلك 3800 امرأة وطفل، قبل أن تنتقل إسرائيل إلى ما تكهنت التايمز بأنه صراع 'أقل حدة'.

[AP Photo/Ariel Schalit]

فخلال نهاية الأسبوع، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على ثلاثة رهائن كانت حماس قد احتجزتهم سابقاً بينما كانوا في طريقهم نحو القوات الإسرائيلية وهم يلوحون بالعلم الأبيض. ويدل حادث القتل على حقيقة أساسية من 'الحرب' التي تخوضها إسرائيل في غزة: إذ تنتهج القوات الإسرائيلية سياسة متعمدة تتمثل في إطلاق النار على كل من تراه، دون بذل أي جهد للتمييز بين مقاتلي حماس والمدنيين، أو في هذه الحالة الرهائن المفرج عنهم.

علاوة على ذلك، دمرت إسرائيل أو ألحقت أضرارا بنسبة 60% من المساكن في غزة، ودمرت معظم البنية التحتية المدنية القادرة على دعم الحياة البشرية، من المستشفيات إلى المدارس والمخابز ومراكز توزيع الطاقة. وبعبارة أخرى، بحلول وقت 'الانتقال' الذي أعلنه سوليفان، فإن قطاع غزة بأكمله تقريباً سوف يصبح في حالة خراب.

وبينما كان سوليفان في إسرائيل، قام الجيش الإسرائيلي يوم الخميس بإغلاق جميع الاتصالات في غزة، في أطول فترة إغلاق من نوعها حتى الآن. وقصفت إسرائيل يوم السبت مستشفى كمال عدوان في غزة. وخلال الهجوم، قامت الجرافات الإسرائيلية بدهس خيام اللاجئين، ودفنت الناس أحياء تحت الأنقاض، مما أسفر عن مقتل تسعة على الأقل.

وأفادت وزارة الصحة في غزة أن غارة إسرائيلية الأحد على مخيم جباليا للاجئين أدت إلى مقتل 90 فلسطينياً. وواصلت إسرائيل عمليات الاغتيال اليومية التي تستهدف الصحفيين في غزة، حيث قُتل 64 إعلامياً حتى الآن. واغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة، مصور قناة الجزيرة سامر أبو دقة، وأصابت مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل دحدوح.

ويعمل المسؤولون الإسرائيليون على زيادة استخدامهم لخطاب الإبادة الجماعية العلني. ففي مقابلة إذاعية، دعا ديفيد أزولاي، رئيس مجلس المطلة الإقليمي في إسرائيل، إلى تهجير السكان إلى لبنان، وقال إن غزة يجب أن تبدو مثل 'أوشفيتز'.

أخبر الجميع في غزة أن يذهبوا إلى الشواطئ. يجب على السفن البحرية تحميل الإرهابيين  ونقلهم إلى  شواطئ لبنان. ينبغي إخلاء قطاع غزة بأكمله وتسويته بالأرض، تماماً كما حدث في أوشفيتز.

وتواصل إسرائيل شن هجمات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ففي وقت متأخر من يوم الأحد، نفذت طائراتها الحربية ضربة في ضواحي دمشق بسوريا، إلى جانب ضربات بعيدة المدى في لبنان.

وفي تصريحاته خلال عطلة نهاية الأسبوع، أوضح سوليفان أن الولايات المتحدة تستعد لصراع أوسع بكثير، حيث تعد الإبادة الجماعية الإسرائيلية مجرد عنصر واحد، حيث تستهدف المتمردين الحوثيين في اليمن، وبشكل أكثر مركزية، إيران.

وأعلن سوليفان أن 'ما يفعله الحوثيون يشكل تهديداً ليس لإسرائيل فحسب، بل للمجتمع الدولي بأكمله؛ إنه تهديد لحرية الملاحة، إنه تهديد للشحن التجاري؛ إنه تهديد عند نقطة اختناق حرجة، وشريان بالغ الأهمية في التجارة العالمية. ولذلك تقوم الولايات المتحدة ببناء تحالف من الدول للمساعدة في حماية حرية الملاحة'.

وأضاف: 'نحن نتحدث عن الحوثيين. لكن من يقف وراء الحوثيين؟ ومن يقوم بتسليحهم وتجهيزهم وتمكينهم؟ إنها إيران'.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، غادر وزير الدفاع لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة تشارلز كيو براون جونيور في زيارة تستغرق عدة أيام إلى إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين في الشرق الأوسط.

يوم الأحد، ذكرت صحيفة الغارديان أن الولايات المتحدة ستعلن عن عملية عسكرية جديدة، بعنوان مبدئي عملية حارس الازدهار، تستهدف المتمردين الحوثيين في اليمن المتحالفين مع إيران.

ذكرت وكالة أسوشيتد برس يوم الجمعة أن أوستن أمر حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد آر فورد بالبقاء في البحر الأبيض المتوسط، بعد أن كان من المقرر أصلاً أن تعود إلى الولايات المتحدة لقضاء العطلات.

وستحتفظ الولايات المتحدة بحاملتي طائرات في المنطقة، كجزء من أسطول يضم 19 سفينة منتشرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. هناك سبع سفن حربية أمريكية في البحر الأبيض المتوسط ​​وعشرات أخرى في جميع أنحاء البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي.

بدأت بالفعل حرب إطلاق نار في المياه قبالة سواحل اليمن. وذكرت القيادة المركزية الأمريكية في منشور على تويتر أنه في 16 ديسمبر/كانون الأول، اشتبكت مدمرة الصواريخ الموجهة الأمريكية من طراز أرلي بيرك، يو إس إس كارني، مع أكثر من اثنتي عشرة طائرة بدون طيار تم إطلاقها من اليمن.

وفي الوقت نفسه، تحث وسائل الإعلام الأمريكية إدارة بايدن على استهداف اليمن وإيران. وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال في افتتاحيتها: 'تفيد الصحافة أن إدارة بايدن تفكر في استخدام القوة العسكرية رداً على الهجمات المستمرة على الشحن التجاري من قبل ميليشيا الحوثي في ​​اليمن. والأمر صار قضية  وقت إذ تشكل الهجمات الصاروخية الحوثية أكبر تهديد للشحن العالمي منذ عقود، وسوف تستمر ما لم يتحد تحالف عالمي لوقفها.

وتابعت الصحيفة: 'السؤال هو ما إذا كانت الولايات المتحدة وغيرها من القوات البحرية الغربية ستلعب دور الدفاع فقط وتلتقط الصواريخ بينما يحدد الحوثيون شروط المعركة. عاجلاً أم آجلاً، قد يتجاوز صاروخ الحوثي الدفاعات البحرية الأمريكية ويقتل البحارة الأمريكيين. عندها لن يكون أمام البيت الأبيض خيار سوى الرد'.

وطالبت الصحيفة الولايات المتحدة بالتصعيد ضد إيران، معلنة أنه 'في نهاية المطاف، يجب على حكام إيران أن يعرفوا أن أصولهم، العسكرية والنووية، معرضة للخطر إذا استمروا في إثارة الفوضى، ومهاجمة حلفاء الولايات المتحدة، واستهداف القواعد أو السفن الأمريكية'.

توضح هذه التصريحات أن الفصائل المهيمنة في المؤسسة السياسية الأمريكية تنظر إلى دعم الولايات المتحدة للإبادة الجماعية في غزة باعتباره عنصراً حاسماً في جهودها المستمرة منذ عقود من الزمن للسيطرة على الشرق الأوسط من خلال العنف العسكري، مع اعتبار إيران هدفا رئيسيا.

وهذا الصراع هو مجرد ساحة واحدة مما تعتبره إدارة بايدن حرباً عالمية للهيمنة على العالم، تستهدف روسيا في أوروبا والصين في المحيط الهادئ، والتي ستشهد موتاً جماعياً يفوق حتى حمام الدم في غزة.

تظاهر ملايين العمال والشباب في كل القارات ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. لكن هذه الحركة تواجه حكومات إمبريالية ملتزمة بالتوسع العالمي للحرب والنزعة العسكرية.

Loading