العربية

يقوم الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والقوى الإقليمية بإنقاذ مصر مقابل الخدمات المقدمة لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل

مسيرة 25 2024

في مواجهة أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ 50 إلى 60 عاماً وتصاعد التوترات الاجتماعية، استغلت مصر مكانتها كشريك رئيسي لإسرائيل في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها النظام الصهيوني على غزة لتأمين سلسلة من عمليات الإنقاذ من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وحلفاء القاهرة في الخليج.

ففي نهاية الأسبوع الماضي، توجهت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى القاهرة، مع زعماء النمسا وبلجيكا وقبرص واليونان وإيطاليا، لتوقيع اتفاق مع جزار القاهرة، عبد الفتاح السيسي. وتهدف هذه الحزمة، التي تم وصفها بأنها 'حزمة مساعدات' بقيمة 8.1 مليار دولار، إلى المساعدة في دعم اقتصاد أهم دولة في العالم العربي، التي اذا انهارت سيؤدي انهيارها إلى زعزعة استقرار المنطقة والتعجيل بتدفقات المهاجرين الجماعية إلى أوروبا.

وتستضيف مصر نحو 10 ملايين مهاجر من الشرق الأوسط، من بينهم 450 ألف شخص فروا من الحرب الأهلية المستمرة منذ 11 شهرا في السودان المجاور.

ويشمل تمويل الاتحاد الأوروبي 5.45 مليار دولار من القروض الميسرة و2 مليار دولار من الاستثمارات في الطاقة المتجددة والتجارة و'الأمن' أي دعم قوات الأمن المسلحة المصرية على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

وتضرر الاقتصاد المصري، الذي كان في تراجع منذ عقود، بشدة من جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تراجع السياحة، التي تشكل 15 في المئة من اقتصاد البلاد، وأدت إلى عودة العمال من الخليج وفقدان تحويلاتهم المالية، مما أدى إلى تضخم أفواج العاطلين عن العمل. وقد تفاقم هذا بسبب اندلاع الحرب بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا في أوكرانيا، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الواردات الزراعية، وخاصة القمح والذرة وزيوت الطهي. وأدى الأمران مجتمعان إلى تدفق 20 مليار دولار من رأس المال المضارب إلى الخارج، - أي أكثر من نصف إجمالي الأموال المتحركة المستثمرة في البلاد، سعياً للحصول على معدل فائدة أعلى.

وأدت الحرب في غزة إلى مزيد من الانخفاض في السياحة وانخفاض كارثي بنسبة 50 في المئة في عائدات قناة السويس، حيث تجنبت السفن طريق البحر الأحمر في أعقاب الهجمات على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل وداعميها من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن. وقد أضر هذا بالصناعات التحويلية و صناعة الأدوية والنسيج في مصر.

كما أثرت الحرب على سوق الطاقة لديها، حيث انخفضت إعادة تصديرها من الغاز بأكثر من 50 بالمئة في الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.

وقد تفاقمت المشاكل الاقتصادية في مصر بسبب مشاريع السيسي الضخمة، بما في ذلك توسيع قناة السويس بقيمة 8 مليارات دولار، التي لم تتحقق إيراداتها المتزايدة الموعودة؛ واستثمار 300 مليار دولار في الطرق والموانئ والسكك الحديدية الجديدة؛ وبرنامج إعادة التسلح الضخم؛ وبناء عاصمة إدارية جديدة بقيمة 58 مليار دولار قيد الإنشاء منذ عام 2015 ، في الصحراء، على بعد 28 ميلاً خوفاً من أي انتفاضة شعبية متجددة في القاهرة.

ونتيجة لذلك، تنفق مصر 32.79 مليار دولار، أي أكثر من نصف ميزانيتها، على خدمة الدين. وكان المستفيدون هم الشركات المرتبطة بالجيش التي تهيمن على الاقتصاد المصري والجيش الذي يسيطر الآن على ربع الميزانية.

وتنتشر البطالة والعمالة الجزئية والغضب من نقص خدمات التعليم والرعاية الصحية على نطاق واسع. ويعيش حوالي 30% من سكان مصر البالغ عددهم 108 ملايين نسمة تحت خط الفقر، بينما يتأرجح 30% آخرون على حافة هذا الخط. مصر، التي كانت ذات يوم القوة البارزة في الشرق الأوسط والتي كانت حتى في أواخر العقد السابع من القرن الماضي أكثر ازدهاراً من كوريا الجنوبية وتايوان، لديها سادس أدنى معدل لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة ورابع أعلى معدل الأمية.

ويحافظ السيسي على حكمه بقبضة حديدية أسوأ بكثير من حكم الدكتاتور حسني مبارك. وقد قُتل المئات من المعارضين السياسيين في العقد الأخير من حكمه، ويقبع 65 ألف معتقل سياسي في السجون المصرية، العديد منهم دون تهمة أو محاكمة، حيث يتعرضون للتعذيب. وقد حُكم مؤخراً بالإعدام على ثمانية من كبار زعماء المعارضة.

وتخضع وسائل الإعلام المستقلة للرقابة، ويتعرض الصحفيون الدوليون للاعتقال، مع احتجاز صحفيي الجزيرة لسنوات دون توجيه تهم إليهم. تم قمع جميع الإضرابات والاحتجاجات بفظاظة.

ووسط المخاوف بشأن 'أمن' مصر، تخلت القوى الأوروبية عن انتقاداتها المنافقة لانتهاكات النظام لحقوق الإنسان. ويخشى هؤلاء أن يكون الهجوم البري الإسرائيلي المخطط له على مدينة رفح بجنوب غزة على الحدود المصرية، الذي قد يجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على اقتحام شبه جزيرة سيناء المصرية، هو القشة التي ستكسر ظهر البعير.

نظام السيسي غارق في الإبادة الجماعية حتى الرقبة. لقد أغلقت الحدود الجنوبية لغزة، وتقوم حكومة مصر بتنسيق أعمالها بشكل وثيق مع نظام نتنياهو الفاشي في الحصار على توصيل المساعدات وبناء حظيرة احتجاز مؤقتة للفلسطينيين في حالة اختراق المعبر الحدودي. فجيشها يشن حرباً همجية ضد سكان شبه جزيرة سيناء تحت ستار مكافحة 'الإرهاب الإسلامي'، مستخدماً أساليب مماثلة لما تستخدمه إسرائيل ضد الفلسطينيين.

ويأتي اتفاق الاتحاد الأوروبي في أعقاب قرار البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة بنسبة غير مسبوقة قدرها 6 نقاط مئوية وتعويم الجنيه، مما أدى إلى انخفاض العملة بنسبة 60 في المئة وارتفاع تكلفة السلع المستوردة. ووافقت الحكومة على خصخصة الشركات المملوكة من قبل الدولة وخفض إنفاقها على مشاريع البنية التحتية والرعاية الاجتماعية. وتندرج هذه الإجراءات ضمن حزمة 'إصلاحات السوق' التي تم إجراؤها مقابل قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى 3 مليارات دولار تم الاتفاق عليها في ديسمبر/كانون الأول 2022. ويأتي هذا القرض الإضافي على الرغم من حجب صندوق النقد الدولي الأموال العام الماضي بسبب مخاوف بشأن إساءة استخدام الحكومة وسوء الإدارة.

وثمة المزيد من المال في الطريق. وأعلن البنك الدولي، المنظمة الشقيقة لصندوق النقد الدولي، يوم الاثنين أنه سيقدم لمصر مساعدات مالية تزيد عن 6 مليارات دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة 'لمساعدتها على تحقيق أهدافها التنموية'.

وجاءت هذه القروض في أعقاب قيام القاهرة الشهر الماضي ببيع حقوق تطوير منتجع رأس الحكمة الساحلي على البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الإمارات العربية المتحدة مقابل 35 مليار دولار، وهي أكبر صفقة تبرمها مصر على الإطلاق، مع دفعة مقدمة فورية من الإمارات العربية المتحدة بقيمة 10 دولارات. وبموجب الاتفاقية، سيقوم صندوق الثروة السيادية الإماراتي (ADQ) بتطوير المنتجع الذي سيشمل فنادق ومشاريع ترفيهية ومناطق مالية وتجارية بالإضافة إلى مطار جنوب المدينة.

ويجري صندوق الاستثمارات العامة السعودي وهيئة الاستثمار القطرية محادثات لتطوير صفقات مماثلة.

تشير هذه الصفقات مع الدكتاتور الهمجي في مصر إلى الطبيعة الحقيقية للمفاوضات بين إدارة بايدن في الولايات المتحدة ومصر ودول الخليج التي جرت تحت غطاء المفاوضات لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس في غزة. ويدور النقاش الآن حول كيفية منع انهيار الدولة الأكبر والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية في العالم العربي في ظل تهديد الحرب في غزة للاستقرار الإقليمي.

قبل أسابيع فقط من المحادثات، أعادت الانتخابات الرئاسية الصورية التي جرت في مصر في ديسمبر/كانون الأول، السيسي إلى السلطة حتى عام 2030، حيث نال نسبة 90% من الأصوات ضد مرشحين من أحزاب تشكل جزءاً من النظام. ولطالما أعربت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الرائدة عن دعمها قبل الانتخابات.

ارتبط تواطؤ النظام العسكري في الإبادة الجماعية للفلسطينيين ارتباطاً وثيقاً بقمع الطبقة العاملة في مصر. لم تكن إطاحة السيسي بمحمد مرسي في يوليو/تموز 2013 موجهة ضد جماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل كانت موجهة نحو القمع الدموي للطبقة العاملة المصرية، وهي الأقوى في المنطقة.

أطاح ملايين العمال والشباب بمبارك في يناير/كانون الثاني 2011 بعد أيام من الإضرابات والاحتجاجات الجماهيرية، التي هزت ليس فقط الرأسمالية المصرية، بل المنطقة بأكملها. وفي حين بذلت دكتاتورية السيسي العسكرية كل ما في وسعها لإغراق الحركة الجماهيرية في الدماء، فإنها تجلس على برميل بارود اجتماعي، كما تدرك جميع القوى الإمبريالية والإقليمية تماماً.

واحتج الآلاف على الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة. ففي فبراير/شباط، قام عمال النسيج في المحلة الكبرى، وهي المركز التاريخي للصراع الطبقي في مصر، بإضراب لمدة أسبوع للمطالبة بزيادة الحد الأدنى للأجور، مما أجبر السيسي على تقديم تنازلات وإشارة إلى المعارضة المتزايدة من طبقة العمالضد دكتاتوريته العسكرية المضادة للثورة.

Loading