العربية

مجموعة البديل الاشتراكي الأسترالي أرسل مراسل إلى سوريا: اليسار الزائف متحالف مع القاعدة ووكالة المخابرات المركزية

أشادت أحزاب اليسار الزائف على المستوى الدولي باستيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة في سوريا الشهر الماضي، وهي جماعة انبثقت عن الفرع السوري لتنظيم القاعدة. ومن خلال القيام بذلك، عمّقت هذه المنظمات تحالفها المطول مع الإمبريالية.

إن ما روج له اليسار الزائف لسنوات على أنه 'الثورة السورية' كان في الواقع عملية ضخمة لتغيير النظام نظمتها حكومة الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة بريطانيا. وفي عام 2011، أثارت هذه القوى الكبرى حرباً أهلية في البلاد، مستخدمة القوى الإسلامية الرجعية كجنود مشاة لها. وتشير التقديرات إلى أن وكالة المخابرات المركزية قامت بإرسال مليار دولار من الأسلحة والأموال إلى هذه القوات، في حين تدفقت موارد هائلة من حلفاء الإمبريالية الأمريكية في دول الخليج.

على الرغم من تعاونه مع الإمبريالية لسنوات عديدة، نُظر إلى نظام بشار الأسد السوري على أنه عقبة محتملة أمام الهيمنة الأمريكية غير المقيدة في الشرق الأوسط. وارتبطت الجهود الرامية إلى إزالة الأسد بعداء واشنطن لعلاقات سوريا الوثيقة مع كل من إيران وروسيا

هذه العملية، التي دمرت سوريا وأدت إلى ظهور داعش، أتت بثمارها مع سيطرة هيئة تحرير الشام على البلاد الشهر الماضي. وهذا جزء من حملة الحرب الإمبريالية الأوسع في المنطقة، بما في ذلك الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين، وحربها ضد لبنان والتهديدات والاستفزازات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة و تستهدف إيران. وتعهدت هيئة تحرير الشام بالتعاون مع القوى الكبرى وكذلك مع إسرائيل. سافرت مجموعة من ممثلي الإمبريالية إلى سوريا، للاجتماع مع زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وهو إرهابي من تنظيم القاعدة منذ فترة طويلة تمت إزالته الآن من قائمة المكافآت التي خصصتها الحكومة الأمريكية لإلقاء القبض عليه.

وقد تم التستر على كل هذا من قبل اليسار الزائف دولياً، الذي أشاد باستيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة باعتباره انتصار 'الثورة' وفجر حقبة جديدة من الديمقراطية السورية.

وقد ذهبت مجموعة البديل الاشتراكي، وهي مجموعة يسارية زائفة أسترالية، إلى أبعد من معظم المجموعات الأخرى. وفي الشهر الماضي، أرسلت أحد أعضائها القياديين، عمر حسن، إلى سوريا. حسن، الذي يبدو أنه أول ممثل لليسار الزائف الدولي دخل سوريا بشكل علني في ظل النظام الجديد، كتب سلسلة من البرقيات لمنشور العلم الأحمر التابع للبديل الاشتراكي.

ولا يمكن وصف مقالات حسن إلا بأنها تبرير مؤيد للإمبريالية. انتقد في بعض الأحيان هيئة تحرير الشام لأنها رجعية بشكل علني، لكن هذه الإدانات المحدودة، التي تخدم كغطاء سياسي في إطار أن الإطاحة بالأسد هي انتصار للشعب السوري وتقدم كبير.

في رسائل حسن الثمانية، المنشورة في الفترة ما بين 2 و19 يناير/كانون الثاني، هناك بعض الإغفالات الصارخة إذ لم تظهر كلمتا 'الإمبريالية' و'الإمبريالية'. ولا توجد إشارة واحدة إلى الحكومتين الأمريكية أو البريطانية، أو وكالاتهما الاستخباراتية، على الرغم من أنهما لعبت مثل هذا الدور الحاسم في الحرب الأهلية وقامتا على الفور بتطوير العلاقات مع نظام هيئة تحرير الشام.

ولم يشر حسن أيضاً إلى دور تركيا. وهذا إغفال ملفت للنظر بشكل خاص لأن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، كانت أكبر داعم لهيئة تحرير الشام في السنوات الأخيرة. وحتى داخل العالم الرجعي للإسلاميين المتشددين، أدان البعض هيئة تحرير الشام باعتبارها دمية في يد نظام أردوغان، الذي أخضع 'الجهاد' لمصالح السياسة الخارجية لتركيا. ولكن، كما هو الحال مع دور القوى الإمبريالية، تجنب حسن ما يعتبر بلا شك نقطة حساسة بالنسبة لهيئة تحرير الشام من خلال تجاهلها ببساطة.

فرحة حسن بدخوله ”سوريا الحرة'

أغفل بشكل أكثر وضوحاً في الرسالتين الأوليين إذ لم يذكر حسن هيئة تحرير الشام! حملت الرسالة الأولى عنوان 'الدخول إلى سوريا الحرة'، ولكنها تجاهلت الإشارة إلى أن 'سوريا الحرة' المذكورة يحكمها نظام القاعدة المتشدد الذي ذكر أنه حتى الانتخابات البرلمانية المقيدة من المرجح ألا تجرى قبل أربع سنوات.

حددت هذه الرسالة نغمة الباقي. وقد كُتبت بأسلوب دعاية 'الشعب يبدو سعيداً' الذي كثيراً ما استخدمه الكتاب الفاسدون نيابة عن الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية.

وفي حين كان عبور الحدود اللبنانية إلى سوريا مرهقاً ذات يوم، بسبب الفساد والرشوة، فإن الناس الآن يقولون إن الأمر ليس كذلك. 'عندما نصل إلى العاصمة، تكون احتفالات رأس السنة الجديدة على قدم وساق وتنتشر حشود من الناس في الشوارع'، و'المعنويات عالية' و'يبدو أن العدد القليل من الحراس المسلحين مرتاحون' وما إلى ذلك.

كتب حسن: 'احتفل الناس بهزيمة الأسد. من يستطيع إلقاء اللوم عليهم؟ وبعد 54 عاماً من دكتاتورية الأسرة الحاكمة، يستمتع الشعب السوري بأول طعم للحرية'.

في الرسالة الأولى، وفي كل الرسائل اللاحقة، لم يحاول حسن تعريف هذه “الحرية”. وبالنظر إلى أن هيئة تحرير الشام استبعدت الانتخابات، فهي ليست 'الحرية' الاسمية للحكم البرلماني الرأسمالي. ولا يوجد أي اقتراح يشير إلى حدوث المزيد من التغييرات الجوهرية التي تعالج التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل القريب. وبالتالي، فإن 'حرية' حسن تتمتع بنفس القدر من المضمون والصدق الذي يتمتع به أي مخترق برجوازي يسيء استخدام هذا المصطلح، ولا يتذكر شيئاً بقدر ما يتذكر تصريحات مجرمي الحرب مثل جورج دبليو بوش وباراك أوباما وجو بايدن.

كيف بيض حسن صورة القاعدة

إذ ظهرت مع الإرساليتين الثالثة والرابعة، بعض الغيوم السوداء، حيث اكتشف حسن هيئة تحرير الشام وبعض مواقفها “الرجعية”. وقام بتغطية احتجاج صغير، معارضاً للتغييرات التي أجرتها هيئة تحرير الشام على المناهج المدرسية.

كتب حسن: 'يتفق الجميع على ضرورة إزالة الدعاية المؤيدة للأسد التي تشبع الكتب المدرسية. لكن الإصلاحات المقترحة تذهب إلى أبعد من ذلك...' وهي تشمل 'إلغاء الدروس المتعلقة بالتطور ونظرية الانفجار الكبير، وإلغاء كل الإشارات السلبية إلى الإمبراطورية العثمانية' وإدانة اليهود والمسيحيين. تم إدخال التغييرات بموجب مرسوم من هيئة تحرير الشام، لكن حسن لم يحاول التوفيق بين ذلك وبين إشاراته المتكررة إلى 'الحرية'.

وفي رسالة أخرى، ضطر حسن إلى الاعتراف بالتقارير 'المخيفة' و'المرعبة' عن قيام قوات هيئة تحرير الشام بتنفيذ مذابح طائفية في جميع أنحاء البلاد. وحتى هنا، قلل حسن من أهمية التداعيات.

إن حقيقة قيام هيئة تحرير الشام بقتل واعتقال المدنيين على أساس دينهم وعرقهم هو 'تذكير صارخ بأن الوضع في دمشق، حيث يسود الاستقرار والحق في الاحتجاج والتجمع السلمي لا يمكن تحديه إلى حد ما، لا يمثل تجربة جميع السوريون في هذا الوقت'. وأشار حسن إلى أن عهد الإرهاب الذي فرضته هيئة تحرير الشام قد أثار نقاشاً حيوياً على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن 'في بعض الأحيان، يمكن أن تندرج هذه المناقشات في أنماط وخطابات طائفية'.

وهذا ليس تهاوناً ساذجاً من جانب حسن. إنها محاولة إجرامية سياسياً للتقليل من التهديد الواضح الذي يشكله نظام هيئة تحرير الشام المدعوم من الإمبريالية على أبسط الحقوق الديمقراطية للشعب السوري. روج البديل الاشتراكي، على مدى أعوام، للتمرد الإسلامي باعتباره 'ثورة'، حتى مع توثيق الفظائع الطائفية التي ارتكبتها هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات على نطاق واسع، الأمر الذي أنذر بما يُرتكب الآن على نطاق أوسع.

ومع ذلك، بعد الإشارة إلى التقارير عن فظائع هيئة تحرير الشام، روى حسن في رسالة لاحقة نُشرت في 13 كانون الثاني/يناير مناقشاته الودية مع مقاتلي الهيئة.

تحت عنوان يشيد بـ”أبطال الثورة” في مدينة درعا الجنوبية الغربية، كتب حسن: 'في الآونة الأخيرة، بدأت بعض كتائب الجيش السوري الحر في درعا بالانضمام إلى هيئة تحرير الشام. لقد جذبهم المستوى الأعلى من التمويل والتنظيم ، ولكن أيضًا إلى ما اعتبروه نجاحاً في حكم محافظة إدلب'. ماذا فعل هؤلاء 'الأبطال'؟ خلال سيطرتها المطولة على إدلب، أنشأت هيئة تحرير الشام دكتاتورية استبدادية، ومارست انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان والتعذيب والسجن.

ثم روي حسن الحوار التالي: '’الأمور رائعة هناك، مثل أوروبا تقريباً،’ وفق مزاعم حارس مسلح يقوم بدوريات في الشوارع، وانتقل إلى إدلب قبل بضعة أشهر فقط بعد تعيين والده في منصب قيادي داخل هيئة تحرير الشام. وعادوا إلى درعا منتصرين، كجزء من مسيرة هيئة تحرير الشام جنوباً عبر حماة وحمص ودمشق'. وسارع حسن إلى القول بأن العديد من مقاتلي الجيش السوري الحر في درعا لم ينضموا إلى هيئة تحرير الشام، واستشهد باستحسان بمطالبة أحد المقاتلين بأنه سيتم حل تنظيم القاعدة من خلال توحيد جميع الجماعات الإسلامية المسلحة.

كما روجت رسالة أخرى لأنشطة الميليشيات في مدينة السويداء جنوب غرب البلاد. و قدّم حسن الميليشيا، المنظمة على أسس طائفية بين الأقلية الدرزية، كنموذج لـ 'الحكم الذاتي' المحلي. وتوافق هذا الموقف مع القوى الكبرى التي تفكر بنشاط في تقسيم سوريا بشكل أكبر وسط تدافع على النفوذ والسيطرة على الدولة ذات الأهمية الجيوستراتيجية.

وحتى أثناء احتفاله بـ'الحكم الذاتي' في السويداء وغياب قوة مقاتلة كبيرة لهيئة تحرير الشام، أعلن حسن: 'لكن هناك مبعوث لهيئة تحرير الشام، هو مصطفى البكور، الذي يعمل محافظاً للمنطقة، وهو أمر لا يبدو أن أحدًا يمانع فيه'.

حسن يبحث عن 'اليسار' السوري

كما هو واضح، لم يجد حسن صعوبة في العثور على الإسلاميين الذين ترعاهم الإمبريالية والميليشيات الطائفية المختلفة، ولكن لسنوات عديدة، سخرت مجموعة البديل الاشتراكي من أي إشارة إلى أن هؤلاء شكلوا القوة الرئيسية لـ 'الثورة' باعتباره نظرية مؤامرة 'أسدية'. وبدون أن يتمكن على الإطلاق من تحديد المنظمات أو البرامج أو القادة السياسيين، لمح دائماً إلى وجود عنصر 'تقدمي' داخل التمرد الذي يشير إلى الطريق إلى الأمام.

وعلى الأرض في سوريا، كانت هذه فرصة حسن للعثور على مثل هذه الحركة. وكانت النتائج التي توصل إليها متقطعة. وحضر اجتماع 'اليسار' الذي شارك فيه حسن في دمشق 55 شخصاً في مدينة بلغ عدد سكانها 2.5 مليون نسمة. وأشار حسن إلى أنه لم يكن هناك شباب. وأوضح له أحدهم أن السبب هو أن الشباب 'أقل انخراطاً في السياسة'، وأضاف حسن: 'من المفترض أن عطلات الشتاء عرقلت مشاركة الشباب'.

و أشادت مجموعة البديل الاشتراكي بسقوط الأسد باعتباره ثورة مظفرة، ولكن هل كانت هناك ثورة حقيقية في التاريخ لم تنعش جيل الشباب، ولو بشكل طفيف؟

بعد أن أتت 'الثورة السورية' بثمارها، بعد حوالي 14 عاماً من بدايتها، يمكن للمرء أن يتصور أنه سيكون لدى 'اليسار' لديه خطة مفصلة ومدروسة لمواصلة تطويره. ووفقاً لرواية حسن، فإن الأفراد الخمسة والخمسين المجتمعين كانوا في الأساس في مرحلة الإعداد،و شكلوا مؤخراً ما يسمى 'الحركة الديمقراطية السورية'، وحقق الاجتماع 'إجماعاً واسعاً' حول أهداف مثل 'التأكيد على حقوق المرأة' و'العمل على إشراك المزيد من الشباب في الحركة'.

وأعرب حسن عن أسفه قائلاً: 'إذا كان هناك شيء مفقود في المحادثة، فهو التركيز على المظالم الاقتصادية'. بمعنى آخر، لم يكن لدى الحركة الجديدة ما تقوله عن الظروف الاجتماعية للطبقة العاملة، ناهيك عن أي برنامج لتعزيز مصالحها.

ثمة اجتماع آخر حضره حسن، تحدثت فيه عبر الإنترنت آن ألكسندر، الممثلة البارزة لليسار الزائف البريطاني، التي وصفها حسن بأنها “خبيرة في شؤون الشرق الأوسط”. وفي رواية حسن، 'شددت ألكسندر على ضرورة بناء نقابات مستقلة وتعزيزها بحيث يمكنها استخدام قوتها في مواقع الإنتاج لتأديب القوى البرجوازية مثل هيئة تحرير الشام'.

أي أن توطيد نظام هيئة تحرير الشام أمر مسلم به ويجب قبوله. وتتمثل المهمة في تنظيم 'نقابات مستقلة' لإبقائها تحت السيطرة بطريقة أو بأخرى وتوفير توازن مستقر. وهو منظور ينسجم بالكامل مع مصالح الحكومتين البريطانية والأميركية، اللتين رغم الإشارة إلى أنهما سوف تتعاونان مع نظام القاعدة، إلا أنهما ترغبان بلا أدنى شك في الحصول على نوع من ورقة التوت الديمقراطية، فضلاً عن احتمال وجود معارضة برجوازية وهو ما يمكن اللجوء إليه إذا دخلت الجماعة الإسلامية في أزمة أو خرجت عن الخط.

وكما هو الحال مع تعليقات ألكساندر، فإن كتابات رحلات حسن صورت الوضع على أنه يعمل كممثل نموذجي للمنظمات غير الحكومية الغربية، و حريص على توسيع 'المشاركة المدنية'، في إطار الحكم الرأسمالي والنظام الجيوسياسي القائم. وبالإضافة إلى كلمة 'الإمبريالية'، فإن كلمة 'الاشتراكية' لا تظهر مرة واحدة. ليس هناك ما يشير إلى أنه أثار مع أي شخص أن الطريقة الوحيدة لتأمين الحقوق الاجتماعية والديمقراطية للجماهير السورية هي بناء حركة اشتراكية للطبقة العاملة.

كيف سافر حسن بهذا القدر من الحرية؟

سوريا، تحت حكم تنظيم القاعدة، هي وجهة غير محتملة لـ 'اشتراكي' الذي يتركز عمله السياسي إلى حد كبير في وسط مدينة ملبورن البوهيمية. وتنصح الحكومة الأسترالية حالياً: “لا تسافر إلى سوريا بسبب الوضع الأمني ​​الخطير للغاية والتهديد بالنزاع المسلح والغارات الجوية والإرهاب والاحتجاز التعسفي والاختطاف”.

ويأمل المرء بصدق أن يكون الحسن قد أخذ في الاعتبار هذه الاحتمالات وأن يخرج من سوريا سالماً. ولا يمكن استبعاد التهور غير العادي وخفة العقل في اختياره للسفر إلى سوريا.

ويبدو أن هذا هو التفسير الأقل احتمالاً. وفي ظل الظروف التي تعمل فيها هيئة تحرير الشام على ترسيخ حكمها، بما في ذلك من خلال قتل خصومها السياسيين، تمكن حسن من السفر بحرية في جميع أنحاء البلاد. و نُشرت رسائله بشكل متزامن إلى حد ما، تحت اسمه الحقيقي، الذي ترشح عنه سابقا لعضوية البرلمان.

قد يجد البعض أنه من غير المعقول أنه أثناء سيره في شوارع درعا، أجرى حسن محادثة مع مقاتل مسلح عشوائي، تبين أن والده عضو قيادي في هيئة تحرير الشام. على أي حال، من الواضح أن حسن تلقى دعماً، بما في ذلك من المقاتلين الإسلاميين المتشددين وأعضاء بارزين في الميليشيات الدرزية.

والسؤال الذي يطرح حتماً: هل لدى عمر الحسن ترتيبات أمنية مع هيئة تحرير الشام؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل هناك مواضيع معينة محظورة، مثل علاقات الجماعة الوثيقة بالنظام التركي؟ هل تم تسهيل سفره أو الموافقة عليه من قبل أي دول إقليمية أخرى، أو بالتشاور مع الوكالات الغربية؟

ما من شك في أن اليسار الزائف يعمل كوكيل للإمبريالية

وغض النظر عن الإجابة على هذه الأسئلة، فإن رحلة عمر حسن حملت طابعاً مؤيداً للإمبريالية بشكل لا لبس فيه. إنه جزء من احتضان القوى الكبرى و أنصارها من الطبقة المتوسطة العليا لنظام هيئة تحرير الشام الجديد، وهو ما تم التعبير عنه أيضاً في لقاء تملق بين وزيرة خارجية حزب الخضر الألماني أنالينا بيربوك، التي دافعت عن 'سياسة خارجية نسوية'، وزعيم هيئة تحرير الشام الجولاني.

كانت بيربوك مؤيدة صريحة للإبادة الجماعية التي ارتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك من خلال الدفاع الصريح عن قصف المدارس والمستشفيات. و أدان عمر حسن ومجموعة البديل الاشتراكي الإبادة الجماعية وشاركا بشكل كبير في الاحتجاجات الأسبوعية المؤيدة للفلسطينيين في المدن الأسترالية.

لكن نادراً ما ذُكرت إسرائيل في رسائل حسن، وهذا في ظل الظروف التي يقوم فيها الجيش الإسرائيلي بعمليات استيلاء على الأراضي السورية كما تعهدت هيئة تحرير الشام بموقف ودي تجاه النظام الصهيوني.

روت إحدى الرسائل زيارة حسن إلى اليرموك، وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين في دمشق تم تسويته بالأرض خلال الحرب الأهلية، بما في ذلك من خلال الضربات العنيفة التي شنها نظام الأسد ومن خلال أنشطة داعش وجبهة النصرة، سلف هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة. إن خيانة الأسد للفلسطينيين بشكل متكرر وارتكابهم جرائم خلال الحرب ليس موضع شك، لكن حسن أدلى بالتصريح السخيف التالي الذي من شأنه أن يدفئ قلوب الصهاينة في كل مكان: 'في الواقع، قتل بلطجية الأسد من الفلسطينيين في اليرموك عدداً أكبر مما قتلته إسرائيل في أي من حروبها قبل 7 أكتوبر'.

من خلال كل الرسائل، قدم حسن نظام الأسد على أنه شر لا يوصف ولا يضاهى. وكانت هذه دائماً هي الطريقة التي برر بها اليسار الزائف دعمه لعملية تغيير النظام. من الواضح أن حكومة الأسد كانت رجعية ومستبدة. وهذا هو الحال فعلياً مع كل الأنظمة في الشرق الأوسط.

أوضح الاشتراكيون الحقيقيون أن الدور الفاسد للأنظمة العربية شهد على إفلاس البرجوازية في البلدان ذات التطور الرأسمالي المتأخر. هم عارضوا مثل هذه الأنظمة من موقع اليسار، وناضلوا من أجل بناء حركة اشتراكية مستقلة للطبقة العاملة ضدهم.

بالنسبة للبديل الاشتراكي واليسار الزائف، كانت الإشارات الهستيرية لنظام الأسد مجرد غطاء للتوافق مع الإمبريالية. وكان البديل الاشتراكي أكثر وضوحاً من معظمهم، حيث أعلن أحد أعضائه البارزين، كوري أوكلي، في عام 2012 بشكل سيء السمعة أن الحرب الأهلية السورية تعني أن 'وقت 'مناهضة الإمبريالية التلقائية ' قد ولى الآن'. وأكد أوكلي أن العالم 'تغير'، وأن 'الإمبريالية، بمعنى الاستعمار الغربي الجديد، ليست التهديد الرئيسي الذي يواجه الجماهير في سوريا، أو العالم العربي ككل'.

واستناداً إلى هذا الخط، أشادت مجموعة البديل الاشتراكي بتقدم الإسلاميين الرجعيين الذين تمولهم وكالة المخابرات المركزية. وإلى حد اعترفت فيه بالدعم الغربي لـ 'المتمردين'، اصطفت جماعة البديل الاشتراكي مع الأقسام الأكثر تشدداً في مؤسسة الاستخبارات العسكرية، وأصرت على أن الدعم لم يكن كافياً ودعت إلى نقل المزيد من الأسلحة والأموال.

ما كان هذا مسألة سورية خالصة بل كان ذلك بمنزلة دخول القوى السياسية التي انفصلت عن الحركة التروتسكية قبل عقود بشكل علني إلى معسكر الإمبريالية. وبعد أن رفضت الدور الثوري للطبقة العاملة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت هذه القوى تمثل الممثلين السياسيين لطبقة من الطبقة المتوسطة التي نمت بشكل متزايد في العقدين التاسع والعاشر من القرن العشرين، في نفس الوقت الذي تغير فيه الوضع الاجتماعي وتعرضت الطبقة العاملة للهجوم. وفي أعقاب الأزمة المالية عام 2008، ووسط ظهور معارضة اجتماعية جماهيرية، تحركت هذه القوى نحو اليمين، متحالفة مع حكوماتها.

ثم تسارعت هذه العملية. وسط انهيار الرأسمالية واندلاع النزعة العسكرية على مستوى العالم، لا تكتفي جماعة البديل الاشتراكي، على سبيل المثال، على التحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل والحكومة الأسترالية في دعم تغيير النظام في سوريا. ناهيك عن إنها دعمت بشكل كامل الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا في أوكرانيا، التي تهدد بحرب نووية في أوروبا.

إن رحلة عمر حسن هي دليل آخر على أن الحركة الحقيقية المناهضة للحرب، التي يجب أن تقوم على الطبقة العاملة وعلى منظور اشتراكي موجه ضد مصدر رأسمالية الصراع، لا يمكن بناؤها إلا من خلال معركة سياسية لا هوادة فيها ضد اليسار الزائف.