العربية
Perspective

من المسؤول عن كارثة فيروس كورونا في الصين؟

تم نشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية في 20 ديسمبر 2022

تتكشف مأساة ذات أبعاد هائلة في جميع أنحاء الصين نتيجة قيام الحزب الشيوعي الصيني برفع سياسته الخاصة بـ صفر كوفيد وتبني سياسة 'كوفيد إلى الأبد' التي تطالب بها القوى الإمبريالية الأمريكية والأوروبية.

لا يزال الوقت مبكراً جداً ، لكن التقارير الواردة من جميع أنحاء البلاد تشير إلى أن الصين في خضم أزمة غير مسبوقة. فالمستشفيات تكتظ بالمرضى وتتراكم الجثث في المشارح بسرعة غير عادية. بناءً على إصرار رأس المال المالي العالمي ، ألقى الحزب الشيوعي الصيني فعلياً القنبلة الوبائية على بلده الخاص.

في فترة شهر واحد فقط ، بدءًا من 11 نوفمبر ، ألغى الحزب الشيوعي الصيني كل جانب من جوانب مبدأ صفر كوفيد ، بما في ذلك الاختبارات الجماعية ، وتتبع انتقال المرض ، والإغلاق والحجر الصحي للأشخاص المجاورين لآخرين من المصابين بفايروس كوفيد 19 . في يوم الاثنين ، أعلنت الحكومة المحلية في تشونغتشينغ، التي تضم 32 مليون شخص ، أن موظفي القطاع العام الذين ثبتت إصابتهم بـ COVID-19 يمكنهم مواصلة العمل 'كالمعتاد'.

إن السرعة التي تم بها التخلي عن خطة صفر فايروس وتعرض السكان الصينيين للعدوى الجماعية مذهلة. أصبحت الأرقام الرسمية للعدوى والوفيات غير دقيقة تماماً الآن ، ولكن من المستحيل إخفاء حقيقة الأزمة المتفاقمة حيث أصبحت المشاهد التي تذكرنا بمدينة ووهان في فبراير 2020 ومدينة نيويورك في مارس 2020 منتشرة في كل مكان في الصين.

تهيمن الآن مناقشة هذه الكارثة الطبية والاجتماعية على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الصينية ، حيث يشارك الملايين قصصًا عن إصابة أحبائهم وزملائهم وجيرانهم بالعدوى ، ويعانون من حمى شديدة وأعراض أخرى ، أو دخول المستشفى أو الموت في المنزل. يجري تداول صور تظهر المستشفيات المكتظة ، بما في ذلك المرضى الذين يموتون الان على الأرض ، على نطاق واسع

في العديد من المنشورات ، يقدر الأفراد أن ما لا يقل عن 50 بالمائة من زملائهم في العمل مصابون حاليًا. نفدت الصيدليات في العديد من المدن أدوية الحمى واختبارات COVID السريعة. وقد غُمرت دور الجنازات بالفعل بالمرضى المتوفين ، حيث أبلغ البعض عن مضاعفة عدد الجثث الطبيعي بمقدار أربعة أضعاف وأوقات الانتظار التي تزيد عن 10 أيام.

السكان المسنون في الصين هم الأقل تحصينًا والأكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض خطيرة والوفاة من COVID-19 ، ولكن كانت هناك أيضًا تقارير عديدة عن تجاوز مستشفيات الأطفال سعتها وموت الأطفال من جميع الأعمار في الأسبوع الماضي وحده.

الشوارع في مدن البلاد خالية بسبب إصابة حشود من الناس بالعدوى أو لأنهم فضلوا البقاء في منازلهم خوفاً من الإصابة. أصيب العديد من الأشخاص بـ COVID في شققهم على الرغم من اتخاذ الاحتياطات اللازمة ، إلا أنهم غير قادرين على الهروب من الفيروس ويرجع ذلك إلى الطابع شديد العدوى لمتغير Omicron BF.7 الذي ينتشر الآن في الصين ، جنباً إلى جنب مع الطابع القديم لمعظم المساكن في البلاد ، مما يسهل انتقال الفايروس عبر الجو بين الشقق عن طريق نظام التهوية.

يوم السبت ، صرح وو تسونيو ، كبير علماء الأوبئة في المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها ، أن الزيادة الحالية من المرجح أن تستمر من الآن حتى منتصف يناير ، تليها موجتان أخريان بين أواخر يناير ومنتصف مارس نتيجة السفر الجماعي بمناسبة العام القمري الجديد. تقدر الدراسات والنماذج المتعددة المنشورة في الأسابيع الأخيرة أن أكثر من مليون شخص يمكن أن يموتوا بسبب COVID-19 في الصين في الأشهر المقبلة.

تخلت حكومة الحزب الشيوعي الصيني عن مبدأ صفر فايروس وهي تعلم جيداً أن هذا سيؤدي إلى مئات الملايين من الإصابات وما يزيد عن مليون حالة وفاة. إنهم مذنبون بارتكاب جريمة اجتماعية فادحة ويشوهون سمعة أنفسهم تماماً.

ومع ذلك ، يجب أن يكون مفهوماً أن المحرضين والوكلاء الرئيسيين المسؤولين عن هذه الكارثة هم الحكومات والشركات ووسائل الإعلام التابعة للقوى الإمبريالية ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. بعد أن سمحت لـ COVID بالانتشار على نطاق واسع في بلدانها ، وقاموا بتطويق الصين في شبكة من العدوى الجماعية التي لا تنتهي والتي أنتجت بشكل متزايد متغيرات معدية ومقاومة للمناعة. لطالما كان الحفاظ على حالة انعدام كوفيد على أساس قومي أمراً مستحيلاً ، لكن السياسات المتهورة والإجرامية المتبعة خارج الصين عجلت بزوال هذه السياسة في كل مكان.

فعلى مدى أكثر من عامين ، طالبت القوى الإمبريالية الصين بقبول العدوى الجماعية بهدف تعزيز مصالحها المؤسسية والمالية والجيوسياسية الخاصة. كانت التهديدات من Apple و Nike وشركات أخرى بنقل الإنتاج إلى مكان آخر من العوامل المؤثرة الرئيسية في إلغاء فكرة صفر فايروس  Zero-COVID. رفضت وول ستريت والأقلية المالية التسامح مع أي اضطرابات أخرى في الإنتاج الرأسمالي داخل الصين ، نواة سلاسل التوريد العالمية.

كما علق موقع الاشتراكية العالمية مرات عديدة ، دعت القوى الغربية ووسائل الإعلام الخاصة بها باستمرار إلى إلغاء سريع وكامل لإجراءات محاصرة الفايروس في الصين. في الآونة الأخيرة ، احتفل طوفان من الدعاية في الصحافة الغربية بأكملها بالاحتجاجات الرجعية المناهضة لـ COVID التي وقعت في جميع أنحاء الصين في أواخر نوفمبر ، والتي دفعت إلى الرفع النهائي لجميع تدابير التخفيف.

وتُعد صحيفتي  نيويورك تايمز وفاينانشيال تايمز نموذجاً في هذا المجال، وهما من الناطقين بلسان وول ستريت ومدينة لندن ، على التوالي.

ففي 3 كانون الأول (ديسمبر) ، أشادت هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز بـ 'الاحتجاجات الرائعة في جميع أنحاء الصين ضد سياسة الحكومة الصارمة' ديناميكية صفر كوفيد 'وأيدت دعوتهم' لرفع القيود المرهقة على كوفيد '. لقد اقتبسوا بسرور من أحد المتظاهرين من شنغهاي قوله ، 'كنا جميعاً سعداء للغاية الليلة الماضية. بدأنا في تصور كيف ستكون الحياة بعد تخفيف القيود المفروضة على البلد بأكمله '.

من جانبها ، نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز مقالاً في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) ، 'اهتزت الصين بالاحتجاجات مع انتشار الغضب ضد صفر كوفيد '. وأشاد المقال بالمحتجين ، الذين 'اشتكوا من نقص الحرية وما قالوا إنه الطبيعة غير العلمية لسياسات كوفيد الصينية ، والتي تهدف إلى القضاء على الفيروس من خلال الاختبارات الجماعية والحجر الصحي والإغلاق'.

يوم الاثنين ، استجاب كلا المنفذين للأزمة الصحية المتصاعدة في الصين من خلال نشر مقالات بارزة ترقى إلى أعذار تهدف إلى توفير غطاء للترويج المسبق للعدوى الجماعية. هم يدركون جيداً مسؤوليتهم عن موجة الموت الجماعي التي تلوح في الأفق في الصين ، فهم يسعون إلى تبرئة أنفسهم وإلقاء كل اللوم على شي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني.

ففي بيان هيئة التحرير بعنوان 'إعادة فتح كوفيد الفاشلة في الصين' ، تساءلت صحيفة فاينانشيال  تايمز عن 'قدرة الإدارة الصينية على اتخاذ قرارات حكيمة وفي الوقت المناسب' ، قائلة إن 'الانتقال الحالي والمتسرع وسوء التنسيق من صفر كوفيد نحو التعايش مع الفيروس قوض مزاعم الصين حول التعايش مع الفيروس والاهتمام   'بوضع الناس أولاً'.

وفي مقالها الرئيسي يوم الاثنين ، كتبت صحيفة نيويورك تايمز ، 'تخلت الصين فجأة عن استراتيجية' صفر كوفيد 'التي راهن فيها السيد شي على سمعته. و تواجه البلاد الآن موجة من الإصابات ، وترك السيد شي المسؤولين يسعون جاهدين لإدارة الفوضى وعدم اليقين '.

وأضافت ربما تكون صيغة شي الخاصة لهزيمة كوفيد قد أعدت الصين عن غير قصد لهذا المنعطف المزعج والذي قد يكون مدمراً ... فعلى مدى عامين ، حظيت حربه الخاصة ضد كوفيد بقبول شعبي واسع النطاق ، ولكن في النهاية استنفدت الجهود الموظفين ، وأرهقت الموارد المالية المحلية ، وبدا أنها أغرقت المحاولات لمناقشة ، ناهيك عن ابتكار ، انتقال محسوب '.

إن مستوى السخرية والنفاق في هذه التصريحات مذهل. فبعد أيام فقط من المطالبة الصاخبة بإنهاء انتشار فيروس كورونا المستجد ، يحاول هؤلاء المروجون غسل أيديهم من أي مسؤولية عن العواقب.

ما يتكشف في الصين هو الامتداد النهائي لسياسة 'كوفيد إلى الأبد' التي فرضتها الحكومات الرأسمالية في جميع أنحاء العالم منذ ظهور متغير Omicron في أواخر عام 2021. إنها جريمة اجتماعية ذات أبعاد ضخمة ، التي سيكون لها أقصى  العواقب الوخيمة داخل الصين وعلى الصعيد الدولي.

إن انفتاح سدس سكان العالم على العدوى يمنح الفيروس التاجي فرصة جديدة للحياة ، مما يسمح له بالتحول والتطور إلى متغيرات أكثر خطورة سترتد في جميع أنحاء العالم. لقد سعت القوى الإمبريالية ووسائل إعلامها إلى زعزعة استقرار الصين من خلال إثارة هذه الأزمة ، لكنهم بفعلهم ذلك سيزيدون من زعزعة استقرار العالم بأسره اقتصادياً وطبياً واجتماعياً. لقد بدأ الآن فصل جديد كامل ومرحلة جديدة للوباء.

يجب استخلاص الدروس السياسية من هذه التجربة. فوراء كل أكاذيبهم الرثة عن 'الديمقراطية' و 'حقوق الإنسان' ، نجد الوجه الحقيقي للرأسمالية. فحين يتعلق الأمر بالدفاع عن الأرباح وتكديس الثروة ، لا يوجد جريمة لن ترتكبها القوى الإمبريالية.

إن المسؤولين عن إدامة الوباء وامتداده إلى كل ركن من أركان المعمورة يجب أن يحاسبوا. في العام المقبل ، سيؤدي تحقيق WSWS العالمي حول جائحة COVID-19 ، الذي يكشف عن الأكاذيب والمعلومات الخاطئة التي وجهت سياسة الوباء ، إلى تعميق جهوده للتحقيق وكشف جميع المسؤولين عن هذه الكارثة المستمرة.

Loading